محمد الخرشي

والملقب بـ

هو الإمام الشيخ أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن علي الخرشي المالكي. ولد سنة 1010هـ. لم ينل الشيخ الخرشي شهرته الواسعة هذه إلا بعد أن تقدمت به السن، ولذلك لم يذكر أحد من المؤرخين شيئا عن نشأته. تلقى الشيخ تعليمه على يد نخبة من العلماء والأعلام، مثل والده الشيخ جمال الدين عبد الله بن علي الخرشي الذي غرس فيه حبا للعلم وتطلعا للمعرفة، كما تلقى العلم على يد الشيخ العلامة إبراهيم اللقاني، وروى عن الشيخ سالم السنهوري عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ ابن حجر العسقلاني بسنده عن البخاري. كما تلقى الخرشي أيضا العلم على أيدي الشيخ الأجهوري، والشيخ يوسف الغليشي، والشيخ عبد المعطي البصير، والشيخ ياسين الشامي، وغيرهم من العلماء والمشايخ الذين رسموا لحياته منهجا سار على خطواته حتى توفاه الله. وقد درس الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضا درس علوم المنطق، والوضع والميقات، ودرس أمهات الكتب في كل هذه العلوم السالفة الذكر على أيدي شيوخ عظماء بعلمهم وخلقهم. وقد ظل الشيخ عشرات السنين يعلم ويتعلم، ويفيد ويستفيد من العلم والعلماء، وظل يروي طيلة حياته ويروى عنه، وبات يضيف ويشرح ويعلق على كل ما يقع بين يديه وتقع عيناه، فأفاد بلسانه وقلمه جمهرة كبيرة من العلماء الذين كانوا يعتزون به وبالانتماء إليه، والنهل من علمه الغزير، ومعرفته الواسعة. ومن أبرز تلاميذ الشيخ الخرشي، الشيوخ أحمد اللقاني، ومحمد الزرقاني، وعلي اللقاني، وشمس الدين اللقاني، وداود اللقاني، ومحمد النفراوي، وأحمد النفراوي، والشبراخيتي، وأحمد الفيومي، وعبد الباقي القليني (الذي تولى مشيخة الأزهر وأصبح رابع المشايخ) وإبراهيم بن موسى الفيومي (سادس مشايخ الأزهر)، وأحمد المشرفي، والشيخ علي المجدولي، والشيخ أبو حامد الدمياطي، والعلامة شمس الدين البصير السكندري، وأبو العباس الديربي، وتتلمذ على يديه الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي الذي أصبح شيخا للأزهر أيضا. وكان الشيخ الخرشي متواضعا عفيفا، واسع الخلق، كثير الأدب والحياء، كريم النفس، حلو الكلام، يسخر نفسه لخدمة الناس وقضاء حاجاتهم بنفسه، واسع الصدر، تعلم على يديه طلاب العلم من شتى بقاع الأرض يسألونه ويستمعون إليه ويناقشونه دون ضيق منه أو تذمر، رحب الأفق لا يمل ولا يسأم. وكان يقسم متن خليل في فقه المالكية إلى نصفين، نصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر كتلاوة القرآن، ويقرأ نصفه الثاني في اليوم التالي، وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها، وكانت الهدايا والنذور تأتيه من أقصى بلاد المغرب، وغيرها من سائر البلاد، فلا يمس منها شيئا، بل كان يعطيها لمعارفه والمقربين منه يتصرفون فيها. وقال عنه الجبرتي: "هو الإمام العلامة والحبر الفهامة، شيخ الإسلام والمسلمين ووارث علوم سيد المرسلين، وقد ذاعت شهرته أيضا في البلاد الإسلامية حتى بلغت بلاد المغرب وأواسط أفريقيا حتى نيجيريا، وبلاد الشام والجزيرة العربية واليمن، وقد مكن الشيخ من بلوغ هذه الشهرة انتشار طلابه وكثرتهم في أقطار عديدة، واشتهاره بالعلم والتقوى. ومن أبرز مؤلفاته، رسالة في البسملة، وهو شرح لهذه الآية الكريمة، والشرح الكبير على متن خليل، في فقه المالكية، في ثمانية مجلدات، والشرح الصغير لمختصر خليل على متن خليل أيضا، في أربعة مجلدات، ومنتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة، وهو شرح لكتاب نخبة الفكر للعلامة ابن حجر العسقلاني، في مصطلح الحديث، والفرائد السنية في حل ألفاظ السنوسية في التوحيد، والأنوار القدسية في الفرائد الخراشية، وهو شرح للعقيدة السنوسية الصغرى، المسماة (أم البراهين)، وحاشية على شرح الشيخ على إيساغوجي في المنطق، وهو من أشهر كتب المنطق، وغيرها. والشيخ هو أول من تولى منصب شيخ الأزهر، فقد ولي مشيخة الأزهر سنة 1090هـ، وكان عمره وقتها حوالي الثمانين عاما واستمر في المشيخة حتى توفاه الله يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1101هـ، عن عمر يناهز التسعين عاما، ودفن مع والده بوسط قرافة المجاورين، تاركا للأزهر ما يقرب من عشرين مؤلفا.

كتب المصنف في الموقع