يصنَّف هذا الكتاب ضمن كتب أصول الفقه. ويتناول موضوعه فن المنطق، وإن لم يستوعب جميع مباحثه طلبا للاختصار، مع الاقتصار على المهم الذي لابد منه للمناظرة، ومراعاة خلوصه من الشُّبَه الفلسفية. وأصل الكتاب مذكرة صنفها المؤلف عندما أسندت له الجامعة الإسلامية تدريس فن آداب البحث والمناظرة؛ لأنه هو العلم الذي يقدر به من تعلمه على بيان مواضع الغلط في حجة خصمه، وعلى تصحيح مذهبه بإقامة الدليل المقنع على صحته. فكان الهدف من التصنيف تمكين طلاب الفن من المتخصصين غير المبتدئين من مقصودهم في فهم ما لابد منه من فن المنطق. ويقول المؤلف عما دفعه لتصنيف هذا الكتاب: "من المتوقع أن يواجه الدعاةَ إلى الحق دعاةٌ إلى الباطل مضللون، يجادلون لشُبَه فلسفية، ومقدمات سوفسطائية، وكانوا لشدة تمرنهم على تلك الحجج الباطلة كثيرا ما يُظهرون الحق في صورة الباطل، والباطلَ في صورة الحق، ويفحمون كثيرا من طلبة العلم الذين لم يكن معهم سلاح من العلم يدفع باطلَهم بالحق، وكان من الواجب على المسلمين أن يتعلموا من العلم ما يتسنى لهم به إبطال الباطل وإحقاق الحق على الطرق المتعارَفة عند الناس". وتتمثل أهمية هذه المادة فيما يتوجب على فريق من المسلمين من العلم المؤدي إلى رد حجج المبطلين بجنس ما استدلوا به على نفيهم لبعض الصفات؛ لأن إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى لانقطاعهم وإلزامهم بالحق. كما أنه مما هو معلوم أن المؤلف إمام محقق فقيه أصولي مفسر موسوعي، وقد اجتمعت له آلة الاجتهاد على وجه لم يُعرف عن غيره من معاصريه، كما أنه سلفي المعتقد، أثري المنهج. أما عن أسلوب المصنف فقد تميز بالجمع بين الوجازة ووضوح العبارة ودقتها وسهولة الأسلوب مع متانة المادة العلمية. وقد اعتنى المؤلف بالأمثلة الواقعية والنماذج التطبيقية؛ فطبق القياس المنطقي بأشكاله على المناظرة في بعض مسائل الاعتقاد كالاستواء والرؤية، وطبق طرق الجدل والمناظرة على قوادح العلة في علم الأصول. ويتألف الكتاب في محتواه من قسمين: القسم الأول -وهو المقرر على السنة الأولى بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية- يشتمل على مقدمات منطقية نظرية كأنواع العلم الحادث، والفرق بين النظر والفكر، وأنواع الدلالات، واللفظ المفرد والمركب، ومقاصد التصورات، والكم والكيف، وغير ذلك. أما عن القسم الثاني -المقرر على السنة الثانية- فإنه يتناول البحث والمناظرة، وهو أكبر القسمين، وأكثره في ذكر قوادح العلة وتطبيق طرق المناظرة عليها، وهي أدق وأهم مباحث القياس (أهم أبواب أصول الفقه كما هو معلوم). ثم إنه زيَّن كتابه بخاتمة نفيسة في الحض على التمسك بالسنة، واتباع منهج السلف الصالح في الاعتقاد، والإعراض عن طريقة الخلف، خصوصا في الصفات الإلهية التي كثر الخوض فيها بالباطل من بعض طوائف الأمة. واعتمد المؤلف في مصادره على ما يملكه من مخزون علمي غزير مع ما يفتح الله عليه من الفهم والاستنباط والتحليل والتحرير، يتضح ذلك من بعض عباراته؛ مثل: (وعلى هذا قول عامة المنطقيين)، (وعليه عامة البيانيين) (وعلى هذا جماهير الأصوليين) (وبه يظهر غلط جماهير علماء الأصول) ونحوها من العبارات. ومع ذلك فإن المصنف نص في كتابه على بعض الكتب التي قد تعبر عن بعض موارده، وإن كان قد ذكرها غالبا للاستدراك والمناقشة، لا للنقل والعزو؛ مثل: نظم في المنطق للعلامة المختار بن بونة، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ورسالة في البحث والمناظرة للشريف الجرجاني، وغير ذلك.