كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار أو تاريخ الجبرتي يعتبر من أهم كتب التاريخ في القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري إن لم يعتبر المصدر المصدق الوحيد الذي يصف مصر دون حيد إلى حاكم أو تحيز إلى شخص. ويذكر المؤرخ الباعث على التأليف فيقول: (إني كنت سودت أوراقًا في حوادث آخر القرن الثاني عشر وما يليه من أوائل الثالث عشر الذي نحن فيه جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن أدركناها وأمور شاهدناها واستطردت في ضمن ذلك سوابق سمعتها ومن أفواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الأعيان المشهورين من العلماء والأمراء المعتبرين وذكر لمع من أخبارهم وأحوالهم وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم فأحببت جمع شملها وتقييد شواردها في أوراق متسقة النظام مرتبة على السنين والأعوام ليسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد ما يرومه من المنفعة). والكتاب يؤرخ لفترة شهدت أحداثاً ضخمة تبدأ من دخول السلطان سليم الأول مصر وتنتهي في منتصف حكم محمد علي باشا، ابتدأه بحوادث سنة 1100هـ، وانتهى به إلى سنة 1236هـ أي قبل وفاته بسنة واحدة، وقد كان المصنف شاهد عين للحملة الفرنسية على مصر التي دامت نحو ثلاث سنوات (1798-1801م)، وقد أورد في كتابه هذا تراجم لكثيرين من المشاهير بدقة وإسهاب. وقد استغرق الجبرتي في هذا العمل ليله ونهاره، واستمر يبحث عن مصادره ومراجعه، وبدأ يدون الأسماء، وكان من الطبيعي أن يبدأ بالمشايخ، ومن كان منهم شيخًا للأزهر، ومشايخ آخرين، من كان أبوه يطلق عليهم الطبقة العليا، ثم الطبقة التي تليها ممن اشتهروا بالعلوم الفقهية والعقلية والنقلية والشعر والأدب والخطابة وغير ذلك. كما شرع يدوّن أسماء الأمراء ومن بلغ منهم مشيخة البلد ومن شاركه في الحكم. وكان الجبرتي يشكو من غموض المائة سنة الماضية عليه، أي من عام 1070هـ حتى 1170هـ، لأن هذه السنوات سابقة على حياته، ولذلك حرص على أن يدون الأسماء من الدواوين الرسمية، أما بعد ذلك فهو عليه هيّن. وكان دقيقًا لا يكتب عن حادثة إلا بعد أن يتأكد من صحتها، وقد يؤخر التدوين حتى يحيط بالمصادر التي تصححها سواء بالتواتر أو بالشهادة. والكتاب مطول ومرتب على شكل وقائع يومية. وقد نال ثناءً كبيراً في أوساط الشعب ومن الحكام الأتراك. وقد انتهض المؤلف لجمع تاريخ مصر الذي انشغل به منذ خمسة عشر عاما في كتاب واحد. فقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء. الجزء الأول حتى آخر عام 1189 هـ، والثاني حتى آخر عام 1212 هـ، والثالث حتى آخر عام 1220 هـ، وقد انتهى الجبرتي من تدوين هذه الأجزاء الثلاثة في عام 1236هـ 1822م. دفع الجبرتي الاشتغال بكتابة تاريخه أن وقف موقف المعارضة لحكم محمد علي باشا منذ بداية حكمه لمصر وانشقاقه على الدولة العثمانية. وظل سنوات يترقب ما ستؤول إليه الأحداث في عهد هذا الرجل. وظل الجبرتي دؤوبً في عمله حتى عام 1237هـ عندما فاجأته فاجعة مقتل ولده خليل، فتوقف عن الكتابة حتى مات.وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في زمن مبكر ولا يزال يطبع حتى زماننا هذا، إلا أنه للأسف الشديد تبين أن هذا الكتاب بل هذه الموسوعة التاريخية طبعت مبتورة ناقصة لظروف غامضة.