في كتابه الثالث المستل من "صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي" تكلم المؤلف عن الدولة العبيدية (الفاطمية) منذ النشأة وحتى السقوط، لم يَفصل فيها تاريخ الأمة الإسلامية بعضها عن بعض؛ فتاريخ الشمال الإفريقي جزء من تاريخ الأمة يتأثر بالأحداث الواقعة فيه، حيث اعتنى فيه المؤلف بفقه التمكين، وذكر جهود العلماء والمحدثين والمربين الذين ساهموا في ظهور جيل النصر والتمكين، كما أقر بأهمية الجهود المادية والمعنوية في نهوض الأمم، في محاولات لتفسير سنن الله في المجتمعات والدول والشعوب من خلال التفسير التاريخي للأحداث، ثم سنة التدرج في تغيير الشعوب وبناء الدول بعد ذلك. ويؤكد كاتبنا في صفحاته على الأهمية القصوى للتربية الربانية - سواء على مستوى القادة أو الشعوب - في تحقيق أهداف الأمة العليا.غير أن ذلك العمل الجليل كان بمثابة جمع وترتيب ومحاولة للتحليل والتفسير للأحداث التاريخية في هذه الحقبة الزمنية في الشمال الإفريقي؛ هدف فيه المؤلف إلى: التأكيد على أن أصول المد الإسلامي سنية لا شيعية، والتأكيد على مبدأ الاعتبار بمعرفة أحوال الدول وعوامل بنائها وأسباب سقوطها، والاهتمام بعقيدة أهل السنة والجماعة وضرورة تربية أبناء الأمة عليها، ثم التعريف ببعض القادة، وأخيرا إثراء المكتبة الإسلامية بالأبحاث المنبثقة عن العقيدة الصحيحة. وقد تكلم في كتابه عن الشيعة، حيث عرّفهم ابتداء، وتحدث عن أهم فرقهم وعن عقائدهم، ثم ذكر الصراع بين الدولة العبيدية والشمال الإفريقي، وبين مراحله وتطوراته مع بعض أبرز الزعماء، وذكر ضمنها جرائم العبيدين في الشمال الإفريقي، وموقف علماء أهل السنة وأساليب المقاومة، كما خصص فصلا يسوق فيه مراحل نشأة الدولة الصنهاجية، وأبرز زعمائها وأشهر الوقائع آنذاك، ثم يختم بتبعات سقوط الدولة العبيدية والتغلغل النصراني، وتوحيد بلاد الشام ومصر، كما سلط الضوء على اثنين من القادة العظماء "نور الدين محمود" و"صلاح الدين الأيوبي" محرر القدس ومزيل دولة العبيدين، ثم وفاته وملامح حياته الرئيسة وأروع المراثي لهذا القائد العظيم. ويختم الكتاب بذكر لأهم نتائج الدراسة، والكتاب يتميز بأسلوبه السهل المسترسل، المستند إلى المصادر التاريخية المعتمدة، وكتب أهل السنة التي فصلت في أحوال العبيديين. ويعيبه عدم ذكر هذه المراجع في قسم خاص كما هو معهود في التأليف.