هذا الكتاب شرح لجمع الجوامع في أصول الفقه، وشرحه الشيخ العلامة حلولو، وهو أحمد بن عبد الرحمن بن موسى الزليطني القروي المغربي المالكي، نزيل تونس وتولى بها مشيخة مدارس أعظمها المنسوبة للقائد تنبيك عوضا عن إبراهيم الأخضري، وقاضي طرابلس الغرب عددا من السنين. وقد أقدم المؤلف على شرح جمع الجوامع تلبية لطلب بعض الباحثين والتلاميذ بأن يبين كلامه بما يناسب من الأمثلة ويتمم للفائدة بأوضح العبارات، كما ذكر في مقدمة شرحه، بالإضافة إلى أنه أراد أن يحصر القراء والطلاب بما يبين لهم كتاب جمع الجوامع، لما انصرف أغلبهم عن (الشرح الكبير) وهو (البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع) أحد أكبر الشروحات لجمع الجوامع، حيث إن مؤلفه قد أطال فيه الكلام وأكثر النقول فيه عن العلماء مما جعل الكتاب يخرج عما ألفه من أجله وهو بيان جمع الجوامع. وقد حقق الشرح وعلق عليه الأستاذ الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، الأستاذ بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد قسم المحقق الكتاب إلى قسمين، وهما مقدمة التحقيق والكتاب المحقق، وقسم مقدمة التحقيق إلى أربع فصول، وبدأ في الفصل الأول الذي خصصه ليكون تعريفا بصاحب الأصل المشروح وهو تاج الدين السبكي، والتعريف بالكتاب المشروح؛ والفصل الثاني فهو التعريف بشارح الكتاب الذي بين يدينا وتناول ذلك في ثمان مباحث؛ أما الفصل الثالث فيتناول الشرح نفسه في أحد عشر مبحثا؛ أما في الفصل الرابع فهو منهج المحقق في تحقيقه؛ أما القسم الثاني من الكتاب فقد تناول المتن وشرحه على نفس ترتيب الفصول في الكتاب الأصل.وكتاب جمع الجوامع هو متن للإمام الفقيه الأصولي قاضي القضاة أبي نصر عبد الوهاب بن الشيخ الإمام أبي الحسن السبكي، والملقب بتاج الدين السبكي، الشافعي المذهب الأشعري العقيدة، الإمام العالم القاضي الخطيب، وهو من أبرز العلماء الذين اهتموا بأصول الفقه في القرن الثامن الهجري حيث كانت له عناية فائقة بتدوين أصول الفقه بشكل لافت للنظر لدى الدارسين لعلم الأصول. وجمع الجوامع هو المصنف الرابع للتاج السبكي في علم الأصول من مجموع ثمانية كتب، وقد وضعه التاج السبكي في مرحلة متقدمة من عمره، وذلك بعد اكتمال شخصيته الأصولية التي برزت ونبغت في شرحه لاثنين من أهم المتون في أصول المتكلمين، وهما "منهاج الوصول" للبيضاوي، و"مختصر المنتهى" لابن الحاجب. وقد وسمه السبكي بهذا الاسم لأنه جمع فيه زبدة مسائل علمي أصول الفقه والدين، إضافة إلى خاتمة هامة في السلوك والتصوف؛ فجاء شاملا وجامعا لعلوم ثلاثة في مختصر واحد، صغير الحجم غزير العلم. إضافة إلى أنه قد جمع هذا المصنف من كل مصنف وكل متن جامع؛ فكان بحق "جمع الجوامع".وينحصر المتن في مقدمات وسبعة كتب. فالمقدمات ذكر فيها تعريفات ومسائل هامة، والكتب هي: في الكتاب، في السنة، في الإجماع، في القياس، في الاستدلال، في التعادل والتراجيح، في الاجتهاد. وقد ختم التاج السبكي مختصره "جمع الجوامع" بخاتمة ذَكَر فيها معتقده مبينا فيها عقيدة الأشاعرة.وقد وصف التاج السبكي صنيعه في هذا "المختصر" قائلا أنه: (الآتي من فنَّي الأصول بالقواعد القواطع، البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير، الوارد من زُهاء مائة مصنف منهلا يروي ويَمِير؛ المحيط بُزبدة ما في شرحيَّ على "المختصر" و"المنهاج"، مع مزيد كثير). وكان التاج السبكي كثيرا ما يُشِيد بهذا المختصر، ويُحَبِّب الناس إلى قراءته ودراسته، ويُبيّن كثيرا من مزاياه وفوائده التي انفرد بها.وطريقة التاج السبكي في هذا المتن هي طريقة المتكلمين، وكثير من عباراته هي إما ذاتها عبارات البيضاوي وابن الحاجب، وإما أنه قد غير فيها لفظة أو زاد عليها قيدا أو أنقص مثل ذلك.وتكمن أهمية "جمع الجوامع" في أنه المتن الذي استقرت فيه أهم الآراء الأصولية حتى عصر التاج السبكي، وقد تدارك فيه التاج السبكي ما في متني "المنهاج" و"المختصر" من نقص وخلل، وذلك لأنه تولى شرحهما قبل هذا المتن؛ وأنه الكتاب الذي استقرت فيه آراء التاج السبكي الأصولية المحررة؛ وأنه قد دون فيه آراء والده - الشيخ تقي الدين - الأصولية والتي قد لا تجدها عند أحد سواه؛ وأنه قد جمع فيه إضافة إلى علم الأصول أهم مسائل الاعتقاد والتصوف، في بادرة فريدة؛ وأنه المتن الذي اعتمد عليه أكثر العلماء المتأخرين منذ ظهوره حتى العصر الحاضر، لذا كثرت عليه الشروح والحواشي والتعليقات، كما أنه كان مقررا لطلاب الدراسات الشرعية في الأزهر حتى وقت ليس بالبعيد.ويتميز متن "جمع الجوامع" بأمور: منها اختصار المسائل واختزال الأقوال، فهو في هذا المختصر لم يسهب ولم يطل العبارات بل كان يختزل كثيرا من المسائل والأقوال في مسألة واحدة بليغة العبارة دالة على المقصود بأقل الكلمات؛ ومنها دقة العبارة وحسن السبك؛ ومنها خلوه من الخلاف الجدلي والمنطقي الذي اتبعه الكثير من الأصوليين وبخاصة ابن الحاجب والبيضاوي؛ ومنها أنه مشتمل على آراء تميز وتفرد بها بحيث لا تجدها عند أحد غيره من السابقين له؛ ومنها الاهتمام ببيان الخلاف اللفظي.ومع ذلك فقد وجه إليه الكثير من النقد والاعتراض قديما وحديثا، حتى في عصر المؤلف نفسه، حيث وجهت إليه بعض الإيرادات، مما دعاه إلى الإجابة عنها في مصنفه "منع الموانع عن جمع الجوامع"، حل فيه كثيرا من الإشكالات التي وجهت إليه، وأزال الغموض عن كثير من العبارات التي خفي معناها على البعض، فصار كالمكمل والتتمة له. والتاج السبكي لم يجزم بنفي الخطأ والوهم عن كتابه، بل يقول: (ولست أدعي أنه جمع سلامة، ولا أبريه كلما توجهت نحوه الملامة، ولا أتعصب له، فبئست الخصلة إذا قلت لكل من اعترضه في الملامة. كلا. ولا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب؛ بل أقول: يؤخذ من قوله ويترك، والله العليم بالغيب، وينظر فيه مع تجويز اعتراض الشك له والريب).ولأهمية المتن كثرت الشروح والحواشي عليه، فمن ذلك "تشنيف المسامع" للزركشي، و"البدر الطالع" للمحلي، وكذلك المنظومات مثل "الكوكب الساطع" للسيوطي. ومنها الضياء اللامع الذي نحن بصدده.وقد نهج حلولو في وضع الأبواب والفصول والمباحث منهج ابن السبكي في جمع الجوامع، فاعتنى بالتعريفات للاصطلاحات الأصولية، وبذكر أقوال العلماء مجردة عن الأدلة في أغلب المسائل، كما كان المؤلف ينقل نص ابن السبكي في جمع الجوامع الذي يخص موضوعا واحدا وإن اشتمل على عدد من المسائل، ثم يشرحه، بالإضافة إلى أنه يشرح المصطلح اللغوي أولا، ثم يذكر التعريفات الاصطلاحية التي لم يأت بها ابن السبكي، كما حرر محل النزاع في كثير من المسائل، ويكثر النقول عن العلماء الآخرين دون أن يعلق عليها، كما حرص المؤلف على التمثيل بمسائل فقهية ليبين بها القاعدة الأصولية.