يمثل هذا الكتاب تهذيبا لكتاب "الغياثي" لإمام الحرمين "الجويني". وتأتي قيمة التهذيب من قيمة الأصل الذي يعد قطعة رصينة من العمل الاستنباطي والقياسي كمدونة فقهية عالية المستوى غنية بالمنطق الأصولي الرصين، والحجاج، والجدل الحسن. لا سيما وأنها كُتبت في القرن الخامس الهجري بعد دهر من معاناة الأمة وفقهائها من مفاسد ومظالم الحكم البويهي المنحرف وتحالفه مع الدولة الفاطمية بمصر التي تشاكله في السوء. وقد أجاد الجويني في موضوع كتابه عن السياسة الشرعية عرْض مدارك الاجتهاد التي تستند إليها الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية. وأبان عن فهم مرن وعقل مستوعب للأبعاد الحضارية الإيجابية أو التطورات الاجتماعية السلبية التي طرأت على الأمة بعد انقراض الأجيال الفاضلة. والكتاب عبارة عن ثلاثة أقسام: الأول عن الإمامة وشروطها والأبواب المتعلقة بها ، والثاني عن خلو الزمان من الأئمة وحكم المستولي عليها، أما الثالث فعن خلو الزمان من حملة الشريعة والعلماء. ويهدف الراشد من تهذيبه إلى أن يحتفي الدعاة بهذه التهذيبات احتفالهم بما هو من إنشاء مفكري الدعوة سواء بسواء كون منهجية التربية الدعوية تستند إلى مقالات السلف الصالح ورؤاهم. وقد سار الكاتب على أسلوب يميل بالأنماط التأليفية القديمة نحو التجانس مع لغة العصر ومراعاة الذوق المعرفي الحاضر، ثم الحاجة الدعوية الخاصة. وقد دفع الكاتب إلى كتابة هذا التهذيب ما وجده في الكتاب الأصلي من عمق وتأصيل وتجديد لمسألة الإمامة، مع ما فيه من تكرار وإطناب وسجع وتطويل يشتت القارئ عن المقصود الأصلي للكتاب. وقد اتبع الكاتب في هذه العملية التهذيبية موازينه المنهجية في الإبقاء والحذف وفي انتقائه للمعاني التي تمثل حلقة في سلسلة تهذيب عيون المدونات الفقهية والإيمانية والدعوية. لذلك جاء عمله في هذا التهذيب متنوعا وواسع التغيير؛ بين ضغط للمقدمة، وإلغاء لهوامش المحقق في المقابلة بين مخطوطات الكتاب، وحذف بعض الإطناب والسجع والمعاني الثانوية، وتصغير الحرف وتقليص الفراغ، حتى جاء التهذيب في حجم لا يزيد عن خُمس المجلد الأصلي، مما يجعل مطالعة طلاب العلم الشرعي ودعاة الإسلام له أيسر، وفهم موضوعه عليهم أسهل، مع ترويج الكتاب بجعله مصدرا للعامة بعد أن كان من مقتنيات الخاصة لضخامته ولندرته وخلو الأسواق منه.