هذا الكتاب هو من المؤلفات الهامة للدكتور محمد محمد حسين الأستاذ الألمعي بالجامعة بالمصرية - كما كانت تسمى آنذاك - والجامعات العربية، أراد من خلاله أن يبين مدى التعارض الشديد بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية وأنهما لا يمكن أن تتفق أسبابهما وتتلاءم مقاصدهما لأن فلسفتهما الأصلية مختلفة كل الاختلاف، فالإسلامية منبعها إلهي ومصبها أُخروي، والغربية منبعها بشري أو ـ غير إلهي ـ ومصبها دنيوي. وهو ينبه المسلمين على الخطر المحدق بهم ويحثهم على أن يتفطنوا للصراع الذي يدور في محيطهم وهم عنه غافلون أو غير عابئين، وألا يصدقوا الدعاوى التي تروج القول بأن الإسلام لا يتعارض مع الحضارة الغربية أو يمكن أن يتماشى وإياها مع محافظته على أصوله ومبادئه. وقد تناول المؤلف موضوع كتابه في مقدمة وتسعة فصول. أما المقدمة فقد فصل فيها القول في سبب تأليف الكتاب والمراحل التي مر بها ومعنى الحضارة ومعنى الغرب والفرق بين الحضارة الإسلامية والغربية. والفصل الأول تكلم فيه عن البذور الأولى، المتمثلة في إرسال الطلاب ذوي النباهة والعلو الاجتماعي للدراسة في الدول الأوربية خاصة، ومثل لذلك بأشهر شخصيتين أرسلتا وهما رفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي، وما تلا عودتهما إذ فُتنا بالغرب وصارا داعيين إلى تطبيق مبادئه والعَب من بئر حضارته وعدم الاكتراث لذلك إذ كان لا يخالف ديننا بل ويحقق لنا مصالح دنيانا - كما زعما -. والفصل الثاني عن التغريب الذي بدأ يأخذ منهجا محكما يدبره الغرب للشرق من خلال أبناء الشرق نفسه. وهكذا يمضي الفصل الثالث بالحديث عن الأفغاني ومحمد عبده، ويذكر الكثير من الحقائق غير المشتهرة عنهما. والرابع والخامس والسادس عن التغريب في دراسات المستشرقين: الشرق الأدنى مجتمعه وثقافته - الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة - الإسلام في العصر الحديث. والسابع والثامن والتاسع تكلم فيها عن آثار التغريب: الإسلام والعالمية - الإسلام والقومية العربية - القومية العربية والأدب العربي. وأصل الكتاب محاضرات ألقيت في الكويت بدعوة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم في جامعة الرياض، مع إضافات وتنقيحات.إن موضوع هذا الكتاب هو الحلقة الأخيرة من صلات الشرق والغرب، التي جرت أحداثها خلال القرنين الأخيرين، في جانبها الثقافي، وفي أثرها في الإسلام بصفة خاصة، وهي صلات تميزت عن الصلات الأخرى التي تمت من قبلُ بطابع معيَّن، يرجع إلى ظروف هذا الاتصال التي تغاير كل ما سبقها من ظروف وملابسات، فقد كان اتصال الإسلام بغيره من الحضارات والثقافات دائما اتصال الغالب بالمغلوب، أو اتصال النَّدِّ بالندِّ. أما اتصاله بالغرب في هذه الفترة الأخيرة، فقد كان اتصال المغلوب بالغالب، والمغلوب (مُولَعٌ أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّه وبِخلُقه وسائر أحواله وعوائده) كما يقول ابن خلدون.والموضوع طويل متعدد الجوانب ظهرت فيه عشرات الكتب التي كتبها المستشرقون في تطور الفكر الإسلامي الحديث، وفي تتبع أثر التغريب، أو ما يسمونه الـ (Westernization) في مختلف بلاد المسلمين، يُعِينون بذلك المخطِّطين من رجال الاستعمار على التقدير الصحيح، وعلى مراجعة ما كان، ورَصدِ ما سيكون، من مخططاتهم. ولم يكن قصد المؤلف في هذه الفصول إلى أن يستقصي ذلك الموضوع المتشعب، ولا أن يحصي مراحله ومجالاته، ولكنه قصد إلى فتح هذا الباب الذي لم يَلِجْه العرب والمسلمون، ولم يتنبهوا إلى أهميته وخطره، على كثرة ما شَغَل الغرب وباحثيه في نصف القرن الأخيرة على الخصوص، وفيما تلا الحرب العالمية الثانية على الأخص. وقد تتبع المؤلف في هذه الفصول ما طرأ على الفكر الإسلامي الحديث من تطور نتيجة اختلاطه بالفكر الغربي وبالحضارة الغربية منذ بدء المرحلة الأولى على يد رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأسد بادي المشهور بالأفغاني وتلميذه محمد عبده، إلى ما تلا ذلك من مراحل وتطورات بعد الحرب العالمية الثانية. وقد صور هذا التطور من جانبيه: من جانبه الإسلامي الذي سعى إلى اقتباس الصالح من الفكر الغربي المعاصر ليستعين به في نهضته التي يحاول فيها أن يلحق بركب الحضارة، ومن جانبه الغربي الذي يحاول أن يطبع العالم الإسلامي بطابعه الحضاري، وأن يشجع على إيجاد فكر إسلامي متطور يُبَرِّر الأنماط الغربية، التماسا لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية، ليستعين بذلك على إيجاد علائق مستقرة بينه وبين البلاد الإسلامية تخدم مصالحه.وفي ثنايا الكتاب يعرض المؤلف لكثير من الدعاوى والممارسات التي كانت تحاول الترويج للغرب وتطبيع سلوكياته مثل: العالمية، وإلغاء الفوارق الدينية بين الشعوب، والقوميات كالعروبية والفارسية، والوطنيات ك "مصر للمصريين" و"تركيا للأتراك"، والدعوة إلى إحياء الحضارات القديمة البائدة كالفرعونية في مصر والبابلية والآشورية في الشام والعراق. والكتاب يعتبر ثريا في مجاله، وصاحبه اعتنى فيه بالنقل والتوثيق حتى لا تكاد صفحة من الكتاب تخلو عن عزو لأحد المراجع أو التقارير أو المقالات. إن أسلوب الشيخ محمد محمد حسين أسلوب ناقد مبدع، فهو كما وصفه النقاد "يأتي بالدليل الحاسم في قوة؛ فليست بحوثه ذبذبات عاطفية تعتمد على الضجيج الخطابي، ولكنها ثمرة فكر عاقل، يؤمن بالحجة، ويعتصم بالدليل، فإذا ملأ كفه من الإقناع جاء بوهج العاطفة ليحدث من التأثير البالغ ما يترك هداه في قلوب من يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله". والحق أن بحوثه في محاربة الحركات الهدامة في هذا العصر كانت ضرورة حتمية يوجبها الواقع المعاصر.