هو الكتاب السابع من سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة، وهي السلسلة المباركة التي صنفها المؤلف استجابة لطلب أحد تلامذته النجباء. وذكر الشيخ أنها تميزت بالحرص على إحياء العقيدة في القلوب باستقائها مباشرة من نصوص الكتاب والسنة لتربي جيلا كالرعيل الأول والذي غيّر الله به مسار التاريخ الإنساني كله. ولهذا الموضوع تحديدا - موضوع اليوم الآخر - أهمية بالغة في تقويم مسار الإنسان، والرقي بحياته في كافة المناحي إلى أعلى درجات الكمال الإنساني، ولما كان الحديث فيه غيبا لا يستطيع العقل تبيين تفاصيله بدون وحي، حرص المصنف على الاقتصار على النصوص الثابتة من السنة إضافة لآي الكتاب. ولقد اختص المصنف هذا الركن بشيء من التفصيل، آل به أن يفرد كل قسم من الأقسام الثلاثة لهذا الموضوع الجليل في كتاب مستقل؛ القيامة الصغرى، القيامة الكبرى، والجنة والنار.وهذا هو الكتاب الثالث والأخير منها "الجنة والنار" وقد قسَّمه المصنف إلى مقدمة وبابين رئيسَين؛ الأول عن النار والثاني عن الجنة.أما المقدمة، فقد استعرض فيها مجملا موضوعات الكتاب. وأما الباب الأول "النار"، فقد تألف من تمهيد به تعريف عن النار وحقيقتها، وعشرة فصول؛ الأربعة الأول منها عن صفة النار وخرنتها، والخمس فصول التالية عن صفة أهلها؛ جرائمهم وكثرتهم وعظم خلقهم وبعضا من صفات طعامهم وشرابهم، وألوانا من صنوف عذابهم، ثم جاء الفصل الأخير عن كيفية اتقاء هذا العذاب الأليم.وفي الباب الثاني "الجنة"، وبعد التمهيد تناول في المقابل صفة الجنة وصفة أهلها في سبع فصول؛ الأول منها عن دخول الجنة؛ من وبم وكيف يدخلونها؟. والثاني عن خلود الجنة وأهلها وبطلان من زعم فناءها، والثالث عن أوصاف الجنة؛ أبوابها ودرجاتها وتربتها وأنهارها وعيونها وقصورها وغير ذلك، ثم الفصل الرابع والخامس والسادس عن أهل الجنة؛ أعمالهم ودرجاتهم وبعض من عينهم الدليل أنهم من أهلها، وكذا صور من نعيمهم فيها؛ طعامهم ولباسهم وفرشهم وخدمهم وتمتعهم وأفضل ذلك رؤيتهم وجه الله ورضوانه عليهم، ثم الفصل السابع أفردة للمحاجة التي تقع بين الجنة والنار.والكتاب على رغم صغر حجمه إلا إنه حاول استيعاب أغلب المباحث العلمية الهامة حول الجنة والنار وما يجب على المسلم اعتقاده من ذلك، ورد بإيجاز على الفرق المخالفة في ذلك، كما في مباحث خلق الجنة والنار، وخلود النار وغير ذلك. كما يعد من أجمع الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع بشكل وافٍ، ويمتاز بالسهولة واليسر وكذا حسن التقسيم والترتيب. ويمتاز المؤلف باقتفائه منهج أهل السنة، وكعادته يضرب الأمثلة الموحية لكي يستشعر المسلم ما ينبغي أن يعتقده بحيث ينبعث للعمل؛ لا أن تصير فقط معلومات باردة وحسب، كتشبيهه للنار واتساعها للمزيد من المجرمين بقوله "إن النار تشبه الطاحونة التي ينحدر إليها ألوف وألوف من أطنان الحبوب، فتدور بذلك كله لا تكل ولا تمل، وينتهي الحب والطاحونة تدور انتظارا للمزيد" ص22. وهو كذلك يعرج على بعض الفوائد المنهجية الهامة أثناء تناوله للموضوعات من أمثال عدم اتباع الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في قولهما بفناء النار وأفاض بعض الشيء في اتباع الحق بالدليل مع وجوب العدل في ذلك بالاعتذار لهذين العَلَميَن، انظر ص44 - 48. ولا تكاد تجد مبحثا ولا مطلبا إلا وبه حشد هائل من نصوص الوحيين، مع الكثير من الإسقاطات على الواقع المعاصر حتى يرتبط في حس المسلم تفاعل هذه النصوص مع واقعه لا أنها تراث يتحدث عن أناس خلوا وولوا، وانتهى أمرهم وأمر هذه النصوص عندهم.ويقتصر المصنف في التخريج على العزو المختصر إلى كتب السنة مع إيراد تصحيح الأئمة وتضعيفهم للحديث، وقد أكثر من الاستدلال من الصحيحين أو أحدهما. وفي الهوامش يذكر تعقيبات هامة ومفيدة، وإسقاطات هامة متعلقة بالموضوع الذي يتناوله. والكتاب مناسب للمبتدئين، وقد امتزجت فيه المباحث العلمية بالموعظة والتذكرة والوصف الدقيق الذي يحي هذه المعاني في القلوب كي تهب مستنفرة للعمل ليوم الوعيد، والادكار قبل أن لا ينفع مال ولا بنون ولا أهلون، مستحضرا هذه المشاهد والأهوال في كل ما يأتي ويذر.