أصل هذه الكتاب رسالة دكتوراة، نوقشت في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية ببيروت وقد أجيزت بتقدير ممتاز مع التنويه بجهد الباحث، وقد أوضح المصنف أنه يرمي لتوضيح المفهوم الشرعي الصحيح للجهاد لما أصابه من غبش متعمد أو غير متعمد إضافة إلى الهجمة الشرسة من الغرب لتشويه مفهومه بغية فرض هيمنة النظام العالمي الجديد وإقصاء المنهج الرباني عن أن تكون له الكلمة العليا، ومن دوافعه للتصنيف أيضا كثرة النوازل والمستجدات في هذه القضية مما يستدعي اجتهادا منضبطا، ومنها أيضا وجود كثير من الحركات والمنظمات التي تتبناه بدوافع مختلفة، فكان لا بد من وضع الميزان لإحقاق الحق وإبطال الباطل في هذا الصدد. وقد اشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد وسبعة أبواب وخاتمة. ففي المقدمة تناول أهمية الموضوع وخطة البحث ثم عرض في التمهيد لمحة موجزة عن تاريخ الحروب بداية من عصر التاريخ (أربعة آلاف سنة قبل الميلاد) وحتى مشارف العصر الإسلامي، ثم تناول أسباب هذه الحروب في ثلاثين سببا وأوضح أن مرجعها إلى سببين رئيسين؛ المنافع المادية وحب السيادة (سيادة الشعب أو سيادة المبدأ). وفي الباب الأول استعرض في فصلين تعريف الجهاد وأنواع القتال المختلفة في الإسلام وأيها يصدق عليه لفظ الجهاد في الشرع، وأنواع قتال التي ذكرها في اثنى عشر مبحثا؛ قتال أهل الردة وأهل البغي والحرابة، وكذا القتال للدفاع عن الحرمات الخاصة والعامة، والقتال ضد انحراف الحاكم، وقتال الفتنة، وقتال مغتصب السلطة، وقتال أهل الذمة، وقتال الغارة من أجل الظفر بمال العدو، والقتال لإقامة الدولة الإسلامية، والأخير من أجل وحدة البلاد الإسلامية. وفي الباب الثاني تناول مشروعية الجهاد من خلال استعراض مراحل شرع الجهاد في السيرة النبوية بدءا من الدعوة سرا في مكة وحتى الجهاد في عهد الخلفاء الراشدين محللا للدوافع والأسباب، موضحا للنتائج والأحكام، مفندا للدعاوى والشبهات. وفي الباب الثالث تناول أسباب إعلان الجهاد في الإسلام، مبتدئا بنقول كثيرة عمن كتب في ذلك الأمر من المعاصرين سواء منهم الشيوخ المعاصرين أو العسكريين أو المتخصصين الأكاديمين أو المفكرين، ثم لخص نقاط الاتفاق والاختلاف بين هذه النقول، وبعد ذلك شرع في بيان فصلي هذا الباب وعقد لكل سبب فصلا وهما: رد العدوان، والوقوف في وجه الدعوة الإسلامية. أما الباب الرابع فقد أفرده للحديث عن أحكام الجهاد في الفقه الإسلامي ممهدا بذكر مكانته من الدين ثم شرع في ذكر أحكامه الشرعية وابتدأ ببيان حكمه وما الأصل فيه وناقش في مباحث ستة إمكانية تنازع الأحكام التكليفية الخمسة له وفي الوجوب ناقش متى يكون كفائيا - وهو الأصل فيه - ومتى يكون عينيا. ثم تناول في الفصل الثاني أداة الجهاد وهو الجيش الإسلامي مستعرضا الأحكام المتعلقة بتنظيماته وتدريباته ومقوماته البشرية (رجال ونساء وصبيان وكذا أهل الذمة) والمادية (سلاح وأموال). وفي الباب الخامس تناول الأحكام الشرعية للسياسة الحربية وتضمن ذلك الحديث عن حقوق وواجبات كل من القائد والمقاتلين وكذا أحكام الجاسوس وأحكام الفرار من الجيش وأحكام الشهيد ثم تطرق في الفصل الثاني من هذا الباب لأحكام التعامل مع الأعداء وأصنافهم المختلفة وقتالهم من مثل أحكام التترس وما يجوز من الكذب وكذا الجواسيس وجثث القتلى وأسلحة التدمير الشامل وأحكام السبي والعمليات الانتحارية وعمليات الاختطاف وغير ذلك الكثير من الأحكام التفصيلية لقتال الأعداء. وفي الباب السادس تناول أسباب وقف القتال وأثره في نشر الدين وبلوغ الدعوة وحفظ الأرواح وذكر خمسة أسباب في خمس مباحث ومنها إسلام العدو أو دفع الجزية أو عقد المعاهدات أو الأشهر الحرم أو الهزيمة والاستسلام والأسر سواء من طرف العدو أو من طرف المسلمين أو تسليم الرهائن. أما الباب السابع والأخير فقد أفرده للجهاد في العصر الحديث؛ مفهومه في البحوث النظرية المعاصرة سواء عند المفكرين الإسلاميين أو عند غير المسلمين، تطبيقاته من أحلاف عسكرية وتأجير للقواعد العسكرية والمطارات وبيع الأسلحة وحروب بين بلاد المسلمين والمنظمات القتالية في العالم الإسلامي. وفي الخاتمة ذكر أهم نتائج البحث بصورة مركزة في شكل نقاط مختصرة ثم ذكر توصيته في كلمة ختام وهي تتمثل في ثلاث نقاط رئيسة لا بد من استخلاصها من هذا البحث: الأولى البون الشاسع بين واقع الجهاد الإسلامي ودوافعه عبر التاريخ وبين واقع القتال والحروب عند غير المسلمين. والثانية: ضرورة توحيد الصفوف للاضطلاع بالمهمة التي ناطها بها الشارع الحكيم وقيادة العالم بهذا المنهج الرباني الذي لا يأتيه الباطل والثالثة: بيان أن الهدف من الجهاد وإزالة العوائق المادية من طريقه إنما هو العدل والرحمة والسعادة في الدارين. ويتميز الكاتب باقتفائه منهج أهل السنة وبالشمولية في الطرح، حيث يستعرض آراء الفقهاء ويرجح بالدليل ويبين مآخذ استدلالات كل فريق ووجه الحق فيها أو الباطل. وكذا الأمر حين يستعرض الآراء المنحرفة والمشوهة حول موضوعات الجهاد، إضافة إلى أنه يبين خطأ من يعالجه من العلماء معالجة مجتزأة مبنية على رد الفعل لا على بيان الحق ابتداء وفق أصول منهجية وقواعد سَنية. ويمكن أن نقول أن الكاتب موسوعي في تناوله لموضوعات الكتاب حيث يكاد يأتي على كتابات كل أو أغلب من سبقه ويفندها ويذكر وجه الحق فيها. ومما يتميز به كذلك هو إسقاطاته الواقعية بالحديث عن جيوش العالم والأنظمة السياسية الحالية والنظام العالمي الجديد، مما يجعل للكتاب صبغة إحيائية لا تتناول أحكاما شرعية مجردة، بل هي أحكام عملية واقعية معدة للتنفيذ والمراغمة في واقع الناس. ومن ذلك أيضا استخدامه المصطلحات السائدة في الواقع المعاصر (مثل سلاح البحرية – سلاح الهندسة – سلاح الخيالة – الجيش النظامي والجيش الاحتياطي والقائد الأعلى للقوات المسلحة وغيرها كثير) أثناء استعراضه الأحكام الشرعية مستدلا على ذلك بالهدي النبوي. ويتميز الكتاب أيضا بحسن التقسيم والترتيب، ووضوح العناوين، وكذا وجود الفهارس الكثيرة وهي تقارب الثلاثمائة صفحة، ما بين فهارس الآيات والأحاديث والآثار والقواعد والأشعار والأمثال والحكم والأماكن والبلدان والأعلام والفوائد والألفاظ وأخيرا الموضوعات وهي فهارس جد نافعة، في حصول الباحث على مبتغاه بصورة ميسرة وسريعة. وقد شملت الحواشي على تعليقات وإفادات جمة وكذا احتوت على العزو للمصادر وتخريج الأحاديث تخريجا مختصرا، وقد أوضح المصنف في مقدمته اقتصاره على الصحيحين إن كان الحديث فيهما وإلا فيخرجه من كتب السنة الأخرى مشفوعا بحكم أحد رواد علم الحديث أو يقوم بدراسة سنده إن لم يجد من حكم عليه من المحدثين.