الكتاب كما ترجم له المؤلف "رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ"، وقد أهداه "إلى الذين يؤثرون المبدأ على الشخص والوحي على التاريخ". ومؤلفه هو المفكر الإسلامي الموريتاني محمد بن المختار الشنقيطي، الباحث في الفقه السياسي الإسلامي وأستاذ تاريخ الأديان والتفسير والنحو بالجامعات والمراكز الإسلامية بالولايات المتحدة الأمريكية والجامعات العربية. وقد بين الباحث أن رسالته هذه "ليست سردا للخلافات السياسية بين الصحابة أو خوضا في تفاصيلها، بل هي جملة قواعد منهجية مقترحة للتعاطي مع تلك الخلافات، بما يعين على استخلاص العبرة منها لمستقبل أمة الإسلام وآتي أيامها، وليس فيها من تفاصيل تلك الأحداث إلا ما كان ضربا لمثل، أو دعما لتحليل. ولعل هذه القواعد تكون دليلا لمن هم أحسن تأهيلا وأوسع معرفة بدقائق التاريخ الإسلامي، ليدلوا بدلوهم في إعادة قراءة ذلك التاريخ". والكاتب ينتمي إلى تيار معروف في الحركات الإسلامية وقد قرظ كتابه كل من يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي. أما الشيخ القرضاوي فقد أجاد في بيان فضل الصحابة ومكانتهم، وابتلاء الله لهم بما جرى من الفتن، وبيان اتفاق أهل السنة على عدالتهم، ونفي عصمتهم، وبين العدالة والعصمة فرق، وكذلك حاجة هذه الفترة التاريخية الحرجة إلى كتابة جادة موثقة، تستند إلى منهج علمي محكم هو منهج المحدثين، لا منطق الإخباريين الذين يجمعون الغث والسمين، وهو ما تصدى له الباحث الشنقيطي بجدارة في بحث يجمع بين الفقه السياسي والدراسة التاريخية والسياسة الشرعية، وقد أضاف القرضاوي أربع قواعد إلى قواعد المؤلف الثنتين والعشرين التي وضعها في دراسته، ورد على المنتقدين له لا سيما منير الغضبان. وأما راشد الغنوشي فهو من قدم للطبعة الأولى للكتاب وأشاد بتوفيق المؤلف في تناول مرحلة التأسيس لحضارة الإسلام واعتبر هذا العمل خدمة جليلة لأجيال الحركة الإسلامية المعاصرة من خلال إعادة قراءة وقائع الاختلاف بين الأصحاب قراءة متأنية منصفة مغايرة "للقراءات الخداج" التي غلت أو فرطت، معتمدة على منهج المحدثين وتراث شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان قد تحفظ على "شدة تكثيف التمركز حول تراثه" في هذه الدراسة.لقد وضع المؤلف بحثه في مقدمة، ومدخل حول التأصيل الشرعي والوعي التاريخي، ثم شرع في ذكر قواعده الثنتين والعشرين التي تمثل صلب الكتاب. ثم ختم ببعض المباحث وهي: ملاحظات على منهج ابن تيمية، حوارات مع مدرسة "التشيع السني"، مآخذ منهجية على ابن العربي، ملاحظات على كتاب "العواصم"، ابن العربي متكلما وقاضيا، ثم خاتمة: عود على بدء. وقد ذيل كتابه بملحق تضمن ملاحظات منهجية على ردود الدكتور منير الغضبان على هذا الكتاب في كتابه "جولات نقدية في كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة".وقد جاء أسلوب المؤلف بحثا علميا هادئا مدعما بالأدلة معزوة لمصادرها، معتمدا كما التزم في منهجيته على أقوال المحدثين وكتابات ابن تيمية. وإن كان يؤخذ عليه استدراكه على ابن تيمية أنه رغم محافظته على "توازنه" غالبا إلا أنه وقع في بعض التكلف والاضطراب والتناقض (!) وذلك لأنه أنصف معاوية وتأول له في مواضع، ونرى أنه كان الأولى أخذ منهج الشيخ من جميع جوانبه ما دام كاتبنا قد ارتضاه في معالجته لهذا الباب واتخذه قدوة، لا سيما أن ما ذكره من تناقض هو عند التأمل كلام مستقيم يليق بشيخ الإسلام. ويؤخذ أيضا على الكاتب اعتذراه عنه بأنه لم "يهدف" إلى التأصيل للفقه السياسي الإسلامي وإنما كانت كتاباته منازلة للشيعة! وفات كاتبنا أن ابن تيمية رحمه الله من أعلى الناس كعبا ممن تكلم بعلم وعدل في مختلف المواقف، وهو لم يهدف إلى تأصيل في كتاباته بل كانت كلها جوابات أسئلة وعلاجات مواقف وكانت هي التأصيل بعينه بغير حاجة إلى التكلف والقصد إلى التأصيل!وقد أحسن الكاتب في تحقيق مفهوم العدالة في حق الصحابة، حيث بين أنها تأتي في سياق الجرح والتعديل ويقصد بها أنهم كلهم عدول في نقل الحديث غير متهمين ولا يقع منهم ذلك قط، لهذا لا تضر جهالة الصحابي في السند، بخلاف معنى السلامة من الكبائر فهو معنى غير مراد لأنه قد ثبت وقوع بعض الصحابة في ذلك، لكنه يقع مغفورا لهم. وقد أثار هذا الكتاب الكثير من الجدل والنقد لما اعتبره البعض تجاوزا في حق الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت بعض الردود قاسية أحيانا، كما تولى المؤلف الرد على الكتابات الجادة منها سواء في كتابه أو في المنتديات العلمية. ولم يغير المؤلف حرفا من كتابه في الطبعات المتعاقبة، كما أنه تمسك بمنهجه في التعرض لهذه الحقبة الشائكة، ويستطيع القارئ من خلال القراءة الواعية للبحث وللردود عليه أن يصل إلى وجه الصواب في مسألة الخلاف بين الأصحاب.