تحت عنوان "دراسات في أصول الفقه" يأتي هذا الكتاب الثالث، وسبقه كتابان المعروف منهما أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام، والمؤلف هو الدكتور محمد العروسي عبد القادر، من علماء مكة وعضو هيئة كبار العلماء. وقد قام الشيخ في كتابه بالرد على أكثر مسائل المتكلمين المبنية على أصل عقدي مما أدرج في أصول الفقه، وعُني بتحرير المسائل التي فيها زلل. والكتاب سبعة وخمسون مسألة ما بين سرد وتحليل، وعرض ونقد، رجوعا إلى كتب الأئمة في هذا الباب أصوليا وعقديا. وهي مسائل هامة في باب طالما تسلل منه أهل الكلام عبر أصول الفقه للاستدلال على بعض ما يذهبون إليه عقديا. وقد بين المؤلف في مقدمته أن المقصود من هذا الكتاب ليس تجريد المسائل التي ليست من أصول الفقه فحسب، بل وأيضا ليزيل الغطاء عن أقوال ومفاهيم قررها المتكلمون والمصنفون في مسائل هذا العلم - أصول الفقه - أو ذكروها عرضا ضمن تلك المسائل، وهي أقوال مخالفة لما استقر عليه الأمر الأول، ويحسبها قراء هذا العلم أنها من الحقائق المسلمة المفروغ منها. وكثير من هذه المسائل الكلامية التي ذكرت في أصول الفقه لم تقرر على وجهها الصحيح، أو ذكرت على الوجه الصحيح ولكنها بنيت على أصل مخالف للأصل الذي دل عليه الكتاب والسنة والذي مضى عليه الصحابة وأئمة السلف. فرأى المؤلف أن يقرر هذه المسائل حسب ما جاءت في كتب الأصول، ثم يعرضها بعد ذلك بأسلوب يتبين فيه وجه الحق من الوجه الباطل؛ ولم يكتف بذلك بل رأى أنه لا بد من بيان أصل المسألة المشتركة وذكر الخلاف الوارد فيها وبيان سببه، ثم يبين بعد ذلك وجه الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة. وقد سلك هذا المنهج لأنه بدون هذا الترتيب في العرض لم يكن قد أحكم هذه الأصول على الأصول، لأن حكاية الخلاف دون بيان الوجه الصحيح من الأقوال وإبطال الباطل منها نقص في القول وقصور في البيان.وقد نبه المؤلف على أن أحد مقاصد هذا الكتاب التنبيه على المسائل والأدلة والحجج المخالفة للكتاب والسنة والموافقة لهما، وأنه التزم في أغلب الأحيان أن يجعل مسائله مرتبة وفق تسلسل الموضوعات في مصنفات الأصول، وهو إذا ذكر المسائل التي فيها خلاف ذكر أقوال المخالفين المشهورين بالتصنيف في هذا الفن، أو المعتبرين عند أهل الكلام، كالأشعرية والمعتزلة، ولم يتعرض لأقوال غيرهم كبعض فرق الشيعة والخوارج، إما لدخول أقوالهم في أقوال أحد هذين الفريقين، وإما لتفردهم بالقول الذي تبنوه وخرجوا به عن إجماع الصحابة وأهل العلم. وبين أنه قد يذكر مسألة وهي ليست من مسائل الأصول ولكنها تذكر في كتب الأصول مقررة لمسألة أو تابعة لها.وقد عقد قبل ذكر المسائل تمهيدا تحدث فيه عن تطور التأليف والتدوين في علم الأصول، ثم وصل فيه إلى نتيجتين: أولاهما بيان كيفية وقوع الاشتراك في هذه المسائل، والثانية أن يكون ما ذكره من نقد أو تصحيح أثناء عرض هذه المسائل أثبت للحجة على المخالف، وأحرى أن يكون مقبولا سهلا على النفس عند من نشأ وشب على معتقد ولم يعلم غيره. وقد توزعت المسائل السبعة والخمسين على سبعة موضوعات وهي: أولا: المسائل المذكورة في المباحث الكلامية من كتب الأصول، المسائل المذكورة في مباحث الحكم الشرعي بنوعيه، المسائل المذكورة في باب التكليف، المسائل المذكورة في مباحث أدلة الأحكام، المسائل المذكورة في مباحث الدلالات، المسائل المذكورة في مبحث الاجتهاد، مسائل ليست هي من مسائل الأصول ولكنها تذكر في كتب الأصول مقررة لمسألة أو تابعة لها.والكتاب نافع جدا في دراسة أصول الفقه، وهو فريد في نمطه لم يسبقه مؤلف مثله، ويعد من المؤلفات الهامة للباحثين في مجال العقيدة بشكل خاص وسائر العلوم الفقهية والشرعية بوجه عام، حيث يدخل ضمن نطاق تخصص علوم العقيدة ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه والتفسير، والحديث الشريف، والسيرة النبوية، والثقافة الإسلامية. وكثيرا ما يعتمد فيه الشيخ على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.وقد تناول الشيخ محمد حسين الجيزاني بعضا من المسائل المشتركة في كتابه "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة"، ثم تلا كتاب "المسائل المشتركة" رسالة الدكتوراه "مسائل أصول الدين المبحوثة في علم أصول الفقه" لخالد عبد اللطيف.ومما ينقل عن الشيخ أنه لما جيء له بكتاب شيخ الإسلام المحقق حديثا "تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل" قال معلِّقا: (الآن كمُل الكتاب).