يعد كتاب الدكتور عواجي (المذاهب الفكرية المعاصرة) من أوسع ما كُتب في مسألة المذاهب المعاصرة مقارنة بالكتب المؤلفة في هذا الشأن، ونقصد بذلك الكتب الجامعة لأكثر من مذهب، لا الكتب الخاصة بمذهب معين. وقد تحدث المؤلف عن أهمية دراسة هذه المذاهب والتأليف فيها، فتحدث عن الآثار السيئة للمذاهب الفكرية التي انتشرت في ربوع العالم الإسلامي، والتي منها: عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وانتشار فساد الأخلاق والقيم، ونشر الفساد عن طريق استخدام النساء، والتفكيك الاجتماعي الحاصل في أوضاع المسلمين. وقد بين المؤلف في مقدمة موسوعته الأسباب التي دعته إلى جمع هذه المادة، وتتلخص هذه الأسباب في الآتي: تعايش المؤلف على مدى سنين عدة مع هذه الأفكار تدريسا وشرحا وبيانا، و مواجهة المغرضين الحاقدين ضد الإسلام، ورد كيد شبههم عن طريق كشف عوار مذاهبهم وخبث الأفكار التي تحملها تلك المذاهب. أما عن الأسلوب فقد أجاد المؤلف فيه، مدعما ما أتي به من أفكار بالأدلة والبرهان، إلى جانب ذلك فقد قدم المؤلف في ثنايا بحثه نقدا علميا مؤصلا، مع الرد على كثير من الشبه والأفكار الهدامة. قسم المؤلف محتوى كتابه إلى عشرين بابا، جعل الأبواب الأربعة الأولى منه كمقدمة لدراسته، بدأها بالحديث عن المذاهب الفكرية وآثارها السيئة على الأمة الإسلامية، فعرَّف في بداية الأمر بالمذاهب الفكرية وسبب إطلاق هذه التسمية، وختمها بالحديث عن الفكر التجريبي عند المسلمين، وتراثهم في هذا المضمار، والفكر التجريبي يقصد به هنا الوصول إلى معرفة الأمور عن طريق التجارب والملاحظات الدقيقة والفكر الصائب الناشئ عن العقل السليم الذي يطور الأمور من جديد إلى جديد وهكذا. ثم عرض في بقية الأبواب لستة عشر مذهبا فكريا معاصرة، وهي: التنصير - الاستشراق - الماسونية - الرأسمالية - العلمانية - الديمقراطية - الإنسانية أو العالمية أو الأممية - الوجودية - الروحية - القومية - الوطنية - المذهب الوضعي - الإلحاد - الاشتراكية - الشيوعية. ونظرا لكبر حجم الكتاب وتشعب أفكاره وغزارة مادته العلمية، فمن الصعب التعريج على أبوابه بابا بابا، والتي وصلت إلى عشرين بابا، أو إلى فصوله التي تعدت المائة فصلا. وجعل المؤلف لكل مذهب من هذه المذاهب بابا خاصا به، الأمر الذي سمح له ببسط الكلام في هذه المذاهب. امتاز كتاب الدكتور عواجي بتسلسل منطقي في عرضة للمذاهب الفكرية المعاصرة موضوع الكتاب، حيث بدأ المؤلف بالحديث عن التنصير، وهو رأس كل فساد دخل إلى بلادنا، ثم تلا ذلك بالحديث عن الاستشراق، وهو داعم أصيل لحركات التنصير، وهكذا ظل المؤلف يتحرك في تسلسل فكري منهجي إلى أن انتهي بالحديث عند الاشتراكية ثم الشيوعية. ومن الأشياء المميزة للكتاب الاستفاضة في عرض أبحاثة، بحيث يمكن للمطالع للكتاب أن يعد كل باب من أبوابه كتابا مستقلا، ولهذا لوحظ انتشار بعض أجزاء الكتاب عبر مواقع الانترنت بصفة مستقلة، وما حدث هذا إلا لاستيعاب الكتاب وتغطيته لكثير من أجزاء المذاهب المبحوثة فيه. ولكن مما يعيب الكتاب إغفاله الحديث عن بعض المذاهب؛ فمن المذاهب التي أغفلها المؤلف الليبرالية، فقد كان حريا به إتمام هذا العمل بالحديث عن هذا المذهب الذي توغل في العصر الحديث، وصار بديلا ومنافسا قويا لأغلب الفلسفات والأفكار التي أوردها الكاتب. كما أغفل المؤلف الحديث عن الحداثة وما بعد الحداثة من أفكار.