هذا الكتاب القيم هو مختصر مهم في أصول الفقه، صنفه الإمام العلامة الأصولي وقاضي الحنابلة علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي، وكان يلقب بمفتي المسلمين في عصره، وقد برع في المناظرة كما اشتغل بالتدريس بمدرسة المنصورية بالقاهرة فترة، وولي أيضا بعد العلامة ابن رجب الحلقة بالجامع. وقد سلك ابن اللحام في ترتيب كتابه نهج أبناء زمانه، وهو ترتيب متابع لابن مفلح في أصوله، ولابن الحاجب في كتابيه "مختصر منتهى السؤل" و"منتهى الوصول"، فابتدأ بالمقدمات وفيها تكلم على تعريف الفقه وأصوله، والمبادئ الكلامية ثم اللغوية؛ ثم شرع في الأحكام الشرعية؛ ثم الأدلة الشرعية المتفق عليها؛ ثم مباحث الأخبار، وهي ما يشترك فيه الكتاب والسنة والإجماع من جهة السند؛ ثم ما يشترك فيه من جهة المتن؛ ثم النسخ؛ ثم القياس؛ ثم الأدلة المختلف فيها كالاستصحاب؛ وشرع من قبلنا؛ والاستقراء، وغيرها؛ ثم الاجتهاد؛ ثم التقليد؛ ثم الترجيح، وبه ختم الكتاب. ومنهج ابن اللحام في عرض الأقوال أنه يذكر القائل باسمه، أو بنسبته لمصنفه، كأن يقول "صاحب كذا"، وقد يكتفي باسم ذكر الكتاب وبه يعرف صاحبه، وقد يجمع بين ذكر المصنف ومؤلفه، بينما لا يذكر ابن اللحام تعليلات ودلائل أصحاب المذاهب في نقوله، كما يذكر المصنف في بعض المواضع قولا واحدا، وقد يعدد الأقوال في الموضع الواحد. أما من جهة ذكر الحدود، فيذكر ابن اللحام الحد في بداية المبحث، ولم يلتزم بذكر الحد اللغوي مع كل حد اصطلاحي، كما ينسب في بعض الأحيان الحد لصاحبه. كما يطلق ابن اللحام "القاضي" ويقصد به "أبو يعلى" وإن أراد غيره يسميه، وكذلك في "الإمام" فيريد به "الجويني". وكان أغلب اعتماده من كتب الأصول في مصنفه على أصول الفقه لابن مفلح؛ ثم مختصر الروضة؛ ومختصر منتهى السؤل؛ ثم المسودة؛ وجمع الجوامع؛ ثم منهاج الوصول؛ ونهاية السول؛ وتنقيح الفصول، أما غيرها من الكتب فقد نقل عن شرح علل الترمذي وكتاب الفروع. وفي المجمل فقد تميز المصنف بحسن الترتيب، واعتنائه بذكر الروايات عن الإمام أحمد، واحتوائه على أغلب مسائل علم أصول الفقه مع اختصاره وصغر حجمه، إضافة لاهتمامه بنقل آراء شيخ الإسلام، وتنوع مصادره، وعنايته بذكر أقوال علماء الحنابلة، وذكر الاختلاف بينهم. وقد يلاحظ على الكتاب عدم الاطراد في ذكر الأعلام، وعدم إدراج مسألة سد الذرائع والخلاف فيها. كما اعتنى بهذا المصنف القيم العديد من الباحثين وطلاب العلم من جهة التحقيق، ومن أبرز تلك الطبعات المخدومة الطبعة التي بين يدينا بتحقيق د. محمد مظهر بقا، والتي نشرها مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة.