كتاب المستصفى للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، هو آخر كتب الغزالي الأصولية، ويشير فيه إلى جميع كتبه الأصولية ويحيل عليها، ففي هذا الكتاب الرأي والمنهج الأصولي الأخير لعالم من علماء الأصول الكبار. وقد بين الغزالي سبب التأليف قائلا: ساقني قدر الله تعالى إلى معاودة التدريس والإفادة، فاقترح علي طائفة من محصلي علم الفقه تصنيفا في أصول الفقه، أصرف العناية فيه إلى التلفيق بين الترتيب والتحقيق، وإلى التوسط بين الإخلال والإملال، على وجه يقع في الفهم دون كتاب "تهذيب الأصول" لميله إلى الاستقصاء والاستكثار، وفوق كتاب "المنخول" لميله إلى الإيجاز والاختصار، فأجبتهم إلى ذلك مستعينا بالله.وقد رتب الكتاب على مقدمة وأربعة أقطاب؛ المقدمة للتوطئة والتمهيد، والأقطاب هي المشتملة على لباب المقصود. فبدأ بمقدمة هي صدر الكتاب، تعرض فيها لبيان حد أصول الفقه، وبيان مرتبة علم الأصول ونسبته إلى العلوم، وبيان كيفية دوران علم الأصول على الأقطاب الأربعة، وبيان المقدمة ووجه تعلق الأصول بها. ثم مقدمة الكتاب الرئيسة وفيها بيان حصر مدارك العلوم النظرية في الحد والبرهان، وهي المقدمة المنطقية.أما الأقطاب فهي المشتملة على علم الأصول وهي أربعة: القطب الأول في الأحكام، والثاني في الأدلة، وهي الكتاب والسنة والإجماع، والثالث في طريق الاستثمار، وهو وجوه دلالة الأدلة، وهي أربعة، دلالة بالمنظوم، ودلالة بالمفهوم، ودلالة بالضرورة والاقتضاء، ودلالة بالمعنى المعقول، والرابع في المستثمر وهو المجتهد الذي يحكم بظنه، ويقابله المقلد الذي يلزمه اتباعه.والكتاب ألفه المؤلف على طريقة المتكلمين، أو بعبارة أخرى على طريقة الشافعية، حيث يؤصل القاعدة ويقيم عليها الدليل، ولا يذكر الفروع التي ارتبطت بهذه القاعدة إلا يسيرا. ولم يقلد فيه من سبقه، بل محص الأقوال ونقدها قبل إثباتها، وقد يخالف الشافعي كما في مسألة هل النهي يقتضي الفساد.وقد عده ابن خلدون واحدا من أربعة كتب هي قواعد هذا الفن وأركانه ومن أحسن ما كتب فيه المتكلمون: البرهان للجويني، والمستصفى للغزالي، والعهد للقاضي عبد الجبار، والمعتمد لأبي الحسين البصري.ويتميز الكتاب بترتيبه العجيب، كما وصفه مؤلفه إذ قال: فصنفته وأتيت فيه بترتيب لطيف عجيب، يطلع الناظر في أول وهلة على جميع مقاصد هذا العلم، ويفيده الاحتواء على جميع مسارح النظر فيه.أما تحقيقه في المسائل والغوص داخل المعاني التي يدور حولها الخلاف الحقيقي، والكشف عن أسباب الخلاف الرئيسة، وكيفية تعلق المسألة بها، فقد أوفى بمنهجه وأساسه الذي من أجله وضع الكتاب. ففي كل مسألة نراه يحقق الأقوال ويناقشها ويميز الصحيح من السقيم. وقد لا ينسب الأقوال إلى قائليها بل كثيرا ما يقول: قال قوم، أو قيل..وقد انتقد على الغزالي إيراده للمقدمة المنطقية وأنها أولا دخيلة على علم الأصول، ثم هي خلط للعلم بالمنطق اليوناني. والغزالي حين أوردها كان مدركا لمباينتها للفن فقال رحمه الله: وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلا. ومعلوم ما انتقد عليه في عبارته الأخيرة تلك، ومن أشهر من تكلم في ذلك ابن تيمية في "نقض المنطق".