هذا الكتاب القيم بمثابة دراسة تشريعية تاريخية نقدية في موضوع النسخ في القرآن الكريم. ألفه الدكتور مصطفى زيد أستاذ الشريعة الاسلامية ورئيس قسم الشريعة بجامعتي القاهرة وبيروت العربية. وبدأت فكرة الكتاب تتكون عند المؤلف عندما انتهى من تفسير سورة الأنفال، ورأى أن يكتب للسورة تمهيدا يعالج فيه بعض ما يتصل بها، ومنه الناسخ والمنسوخ فيها، فرجع إلى كتب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ووجد في سورة الأنفال ستا من دعاوي النسخ، فلما فسر تلك الآيات تبين له أن خمسا من الدعاوي الست واهية، ولا تقوم على أساس من المنقول أو المعقول، فوجد أنه أمام مشكلة شائكة تحتاج إلى حل، وعدد المؤلف جوانب المشكلة التي دفعته لاختيار ذلك الموضوع، بأنها تكمن في كثرة الذين كتبوا فيه لا قلتهم، واختلاف مناهجهم حسب المواد التي عالجوها على أنها بعض مادتها، مثل أن يتناول المؤلفون النسخ في علوم القرآن فأفردوا له بابا، وتناوله الأصوليون على أنه ظاهرة من الظواهر التي تطرأ على بعض المصادر التشريعية، وهكذا. ومن الأسباب التي دفعته للكتابة في هذا الموضوع أيضا هو دقة الموضوع وشدة حساسيته لأن مادته هي آيات القرآن الكريم التي تشرع أحكام الإسلام. والسبب الثالث هو أن الموضوع لم يدرس دراسة منهجية شاملة حتى اليوم. والدراسة التي بين أيدينا تتكون من تمهيد وأربعة أبواب وخاتمة. أما التمهيد فهو يدور حول فكرة النسخ والنسخ عند اليهود وعند النصارى ثم إجمال موقفنا نحن المسلمين منه. والباب الأول خصصه المؤلف للدراسة التشريعية وجعل عنوانه (النسخ عند الأصوليين)، وقسمه إلى أربعة فصول، الفصل الأول درس فيها معنى النسخ لغة واصطلاحا عند الأصوليين منذ بدأوا يعرفونه وهكذا، أما الفصل الثاني فقد تناول البحث التفرقة بين النسخ وبعض أساليب البيان التي قد تختلط به، والفصل الثالث بحث المؤلف فيه شروط النسخ، ثم في الفصل الرابع بين حكم النسخ من القرآن والسنة والإجماع. أما الباب الثاني من الدراسة فيتحدث عن التأليف في المشكلة تاريخيا، ويتكون الباب من فصلين، الفصل الأول المصنفون في النسخ، والفصل الثاني الكتب المصنفة في النسخ. أما الباب الثالث فقد خصصه المؤلف لعرض ومناقشة دعاوى النسخ التي لم تصح، ويتكون من سبعة فصول هي: إحصاء وتصنيف، دعاوى النسخ في الآيات الإخبارية، النسخ في آيات الوعيد، النسخ بآية السيف، دعاوى النسخ في الآيات التي ليس فيها إلا التخصيص أو التقييد أو التفسير أو التفصيل، دعاوى النسخ في آيات ليس بينها وبين نواسخها تعارض حقيقي، دعاوي النسخ التي اشتهرت لدى الأصوليين والمفسرين وليست كذلك. وفي الباب الرابع والأخير عرض واستدلال لوقائع النسخ، وقد بحث في هذا الباب ما صح من دعاوى النسخ على بعض الآيات وقام الدليل على النسخ فيها وغير ذلك. وأخيرا ختم دراسته بذكر أهم النتائج المستخلصة من البحث بأبوابه الأربعة، والمقترحات التي يرى المؤلف في تنفيذها إضافة إلى العلم. وسعى المؤلف للالتزام بمنهجية بحثية دقيقة في مصنفه، وفي بعض الفصول مما ذكرنا لم يسرد الآيات في كل مجموعة سردا، ولم يغفل ما قاله شيوخ أهل التأويل في تفسيرها عندما ناقش دعوى النسخ عليها، كما أفاد كثيرا من كتب التفسير التي اهتمت بالآثار، ككتابي أبي جعفر النحاس وابن الجوزي، دون سائر المؤلفين في الناسخ والمنسوخ. كما أنه في بعض المواضع لم يجد بدا من تخريج الكثير من الأسانيد، والتعريف ببعض الشيوخ ممن لهم في تفسير بعض الآيات أو نسخها رأي متميز.