كتاب "القواعد الكبرى" أو "قواعد الأحكام في إصلاح الأنام" لسلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، وهو أحد العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، انتهت إليه رياسة المذهب الشافعي، وأشار البعض إلى أنه بلغ رتبة الاجتهاد، ولم يتقيد بالمذهب في آخر عمره بل كان يفتي بما يترجح عنده بالدليل، وكان رحمه الله ينتقد التعصب المذهبي وينكر على المقلدين جمودهم، وهذا الكتاب من أعظم الكتب التي عنيت بمقاصد الشريعة والقواعد الفقهية، وقد أشار الإمام العز إلى غرض الكتاب بقوله: (الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات ليسعى العباد في كسبها، وبيان مقاصد المخالفات ليسعى العباد في درئها، وبيان مصالح المباحات ليكون العباد على خِيَرَةٍ منها، وبيان ما يُقدم من بعض المصالح على بعض، وما يؤخَّر من بعض المفاسد عن بعض، مما يدخل تحت أكساب العباد دون ما لا قدرة لهم عليه ولا سبيل لهم إليه. والشريعة كلها نصائح؛ إما بدرء مفاسد أو بجلب مصالح). وقد تضمن الكتاب أبحاثا تمهيدية يمكن أن تكون مدخلا أو مقدمة للقواعد التي بنى المؤلف كتابه عليها؛ حيث أوضح فيها مفهوم المصالح والمفاسد وأنواعها ونحو ذلك، ثم ذكر قرابة العشرين قاعدة، اشتملت على الموازنة بين المصالح والمفاسد، والزواجر والجوابر، ومتعلقات الأحكام، إلى غير ذلك، وقد اشتملت هذه القواعد على فصول كثيرة كما أدرَج بها ما يراه من الفوائد، وبعد هذه القواعد ذكر عددا من الفصول تتعلق بمباحث أخرى غير القواعد وذلك مثل الأذكار والبدع وأحوال الناس، ونحو ذلك. ولكن القواعد التي ذكرها لا تندرج كلها تحت مصطلح القواعد الفقهية، ولكن منها ما يلحق بالضوابط الفقهية، ومنها ما يلحق بعلم المقاصد، ومنها ما يلحق بالنظريات الفقهية ونحو ذلك. والمصنف أقام كتابه على القواعد التي تتعلق بالمصالح والمفاسد وما يتصل بها، وليس مبنيا على فصول فقهية موضوعية، وقد جاءت صياغته للقواعد بعبارة موجزة أحيانا ومطولة أحيانا أخرى، وفي الأغلب يضع عنوانا موجزا للقاعدة ثم يصوغها صياغة مطولة ثم يتناولها بالشرح، ومن جهة أخرى قد يستغرق شرح القاعدة الصفحات الطوال، وقد لا يجاوز بضعة أسطر. وقد اتسم الكتاب بكثرة الاستشهاد بالآيات والأحاديث - الصحيحة غالبا - والآثار، كما اتسم أيضا بالتكرار، وقد علل المصنف ذلك بقوله: (وإنما أتيت بهذه الألفاظ في هذا الكتاب التي أكثرها مترادفات، وفي المعاني متلاقيات حرصا على البيان، والتقرير في الجنان، كما تكررت المواعظ والقصص والأمر والزجر، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب وغير ذلك في القرآن، ولا شك أن في التكرير والإكثار من التقرير في القلوب ما ليس الإيجاز والاختصار؛ ومن نظر إلى تكرير مواعظ القرآن ووصاياه ألفاها كذلك)، وقال أيضا: (وقد يقع في هذا الكتاب من التكرير ما يدخل في بابين من المصالح ... فما وقع من هذا كان تكريره في بابين لأجل أن فيه دلالتين على معنيين مختلفين). ويتميز الكتاب بسهولة العبارة والسلاسة في عرض القواعد والتطبيقات عليها، كما يتسم الكتاب بالإنصاف والأدب في التعامل مع المخالف والبعد عن التعصب المذهبي والإنكار على المقلدين بلا دليل، وتظهر في الكتاب الروح الإصلاحية المبثوثة في ثناياه والتي تمزج بين الحكم الفقهي والترغيب والترهيب والتوجيه والإرشاد، وهو ما يبدو في عنوان الكتاب، كما تظهر أيضا الروح الواقعية في الكتاب بما يشتمل عليه من حلول للقضايا المعاصرة له؛ خاصة فيما يتعلق بأمور الولايات ونحو ذلك، وقد حقق الكتاب تحقيقا جيدا، وقوبل نصه على سبع نسخ خطية، وختم بفهارس تفصيلية جيدة.