هو الكتاب الأول من سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة، وهي السلسلة المباركة التي صنفها المؤلف بداية كمجموعة دروس أسبوعية بناء على طلب من أحد الطلبة النجباء في الكويت، لما لاحظه هذا الطالب من تميز عرض الشيخ لقضايا العقيدة. وذكر الشيخ أن التصنيف فيها لم يكن على منوال كتب العقيدة الأخرى - على أهميتها البالغة؛ رغبة في إحياء العقيدة في القلوب باستقائها مباشرة من نصوص الكتاب والسنة غضة طرية كما أنزلت على الرعيل الأول، والذين غيروا بها مسار التاريخ الإنساني كله بصورة لم يسبق لها مثيل. وقد قسم المصنف هذا الكتاب "العقيدة في الله" إلى مقدمة وخمسة فصول:أما المقدمة، فقد اشتملت على خمس مباحث متعلقة بتعريف العقيدة وخصائصها وفضائلها، وكذا مقدمات منهجية هامة من مثل حقيقة الإيمان والكفر والفرق بين العقيدة وعلم الكلام والفلسفة وكذا مناهج العلماء في إثبات العقائد.وفي الفصل الأول تناول أدلة وجود الخالق الفطرية والعقلية، ثم ذكر الشبهات التي تثار حول نشأة الكون من مثل القول بالمصادفة وأن الطبيعة هي التي تخلق وأخيرا نظرية دارون، وقد أخذ في تفنيدها وإبطالها بالعقل والشرع بل وبكلام علماء الطبيعة أنفسهم والذين عارضوا نظرية دارون أشد الاعتراض. وفي الفصل الثاني وهو التعريف بالله وربط القلوب به وهو من أمتع وأكبر فصول الكتاب حيث سلك طريقين في ذلك وهما التعرف على الله من خلال بديع خلقه وعجيب صنعه، والطريق الثاني بتدبر معاني أسمائه وصفاته، ويمزج بين التقعيد والتأصيل وبين التمثيل والتدليل ليكون أوقع في النفس، وأرسخ في القلب.وفي الفصل الثالث "توحيد الله"، تناول نوعي التوحيد والعلاقة بينهما، وكذا معنى كلمة التوحيد وفضلها وشروطها، ثم معنى العبادة وحقيقتها وأنواعها، وختم بما ينقض التوحيد وهو الشرك، وذكر خطره ونوعيه الأكبر والأصغر والفرق بينهما.وفي الفصل الرابع "نظرة في تاريخ العقيدة"، نقض كلام عباس العقاد في ترقي الإنسان في الاعتقاد عبر الأزمان ترقيه في سائر العلوم، وأوضح الخطأ البين في هذا التوجه بالعقل والشرع.أما الفصل الخامس والأخير "تصورات الأمم الضالة للمعبود"، فقد ختم به ليبين الفارق الهائل بين عقيدة التوحيد الصافية وبين نماذج من إنحرافات الأمم عبر العصور إذا ما حادت وضلت في غياهب ظلمات الشرك، فبضدها تتميز الأشياء، وإنما تنقض عرى الإسلام إذا لم نعرف الجاهلية، واقتصر على ثلاث نماذج؛ دولة تعد متقدمة في القديم "اليونان"، وانحراف أهل ديانة سماوية "اليهود"، والوثنية العربية قبل البعثة.يمتاز الكتاب بالسهولة واليسر في تناول موضوعات الاعتقاد كما يمتاز بحسن التقسيم والترتيب وكثرة العناوين التي تجعل القارئ دائما منتبها لموقع الموضوع الذي يتناوله نسبة لباقي الكتاب. ويمتاز مؤلفها باقتفائه منهج أهل السنة والإكثار من الأدلة (يقول في معرض تناوله لآيات الصفات: وقد حرصنا على أن نسوق النصوص ذاتها في أكثر الموضوعات؛ فإنها أقدر على التعبير والتوضيح من نصوص البشر وكلامهم "ص168") مع مراعاة عرض الموضوع بصورة إيمانية حية مع إسقاطه على الواقع. هذا ويعد تناوله للموضوعات مختصرا ومركزا بحيث يعرض الجمل الثابتة والأحكام دون الإسهاب في تفاصيلها مع الاستعانة بالرسومات التوضيحية أحيانا. وكذا يمتاز بربط المصطلحات بسبب التسمية لا ذكر المعنى اللغوي أو الشرعي فحسب (كمصطلح المرجئة وأنه مشتق من إرجاء الأعمال أي تأخيرها عن الإيمان "ص34"). ثم هو يحرص على ذكر أمثلة تطبيقية توضح مقصوده من خلال العموميات (كتعداده مسائل الاعتقاد المثبتة بخبر الواحد "ص60، 61") ليكون أبلغ في النفس وفهم المقصود. كما يقوم بذكر أقوال أهل كل فن فيما يتعلق بهم ويبين بطلان العقائد الفاسدة بعد عرضها من كلام أهلها بذكر أقوال العلماء الغربيين ونقدهم لها إمعانا في دحض حجتهم وبيان هوانها، مع بيان البعد الفكري والحركي المقصود من نشر مثل هذه العقائدة في الواقع المعاصر ثم يردفها ببيان الحق من الكتاب والسنة (كإبطاله "نظرية" دارون ببيان موقف علماء الطبيعة من النظرية وبيان هدف المستعمر من السيطرة على الشعوب المسلمة من خلال هذه النظرية بنبذ الدين والهزيمة الفكرية للغرب "ص91 -96" ). كما يمتاز بتوضيح المقصود من بعض النصوص بأمور عقلية وأقيسة سهلة وبسيطة ترسخ المعنى وتبعد الشبهة (كبيان كيف يمكن للخلق رؤية الله في الآخرة بينما لم يطيقه الجبل في الدنيا وقياس ذلك على دنو الشمس من الرؤوس وعدم انصهار الخلق من ذلك لكونهم خلقوا خلقا جديدا بمقاييس جديدة "ص201") وهذا كله اعتمادا على ما ورد من النصوص الأمر الذي يربط النصوص بعضها ببعض ويجعلها وحدة واحدة.ويقتصر المصنف في التخريج على العزو المختصر إلى كتب السنة دون الحكم على الحديث، وقد أكثر من الاستدلال من الصحيحين أو أحدهما. وفي الهوامش يذكر تعقيبات هامة ومفيدة، وإسقاطات معاصرة هامة متعلقة بالموضوع الذي يتناوله. والكتاب مناسب للمبتدئين ويضفي حياة نابضة على موضوعات الاعتقاد، مع حشد لكثير من الآيات والأحاديث، الأمر الذي يربط طالب العلم دوما بالكتاب والسنة واقتفاء الدليل.