هذا الكتاب واحد من الكتب الكثيرة التي صنفها محمد صديق حسن خان؛ العلامة المحقق صاحب الموهبة العجيبة في التأليف حتى بلغت مؤلفاته حوالي 222 كتابا في التفسير والحديث والعقيدة والفقه والبلاغة والمنطق وغيرها. وكتاب الروضة الندية شرح لمتن الدرر البهية للعلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني، والذي كان صديق حسن خان قد تتلمذ على يد تلميذه، وهو العلامة عبد الحق الهندي، عندما رحل صديق حسن خان إلى مكة لطلب العلم فيها. والدرر البهية هو متن فقهي مختصر اسمه: "الدرر البهية في المسائل الفقهية"، جمع فيه مؤلفه - وهو الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى - عيون مسائل الفقه التي رجح دليلها، وثبتت حجتها. والدرر البهية من أجل الكتب المصنفة في الفقه ومسائله. والمتن على صغره ووجازته محتو على أبواب الفقه جميعها بعبارة جامعة وألفاظ بديعة رائعة. وقد اعتنى به غير واحد من أهل العلم، منهم مؤلفه نفسه إذ شرحه في كتاب اسمه: "الدراري المضية شرح الدرر البهية"، ومنهم صديق حسن خان صاحب الروضة الندية التي بين أيدينا، إذ قال عن الدرر: جمع الإمام الهمام عز المسلمين والإسلام سلالة السلف الصلحاء تذكار العرب العرباء وارث علوم سيد المرسلين خاتم المفسرين والمحدثين شيخ شيوخنا الكاملين المجتهد المطلق العلامة الرباني قاضي قضاة القطر اليماني محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف الهجرية رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الفرودس منزله ونزله ومأواه المختصر الذي سماه: "الدرر البهية في المسائل الفقهية" قاصدا بذلك جمع المسائل التي صح دليلها واتضح سبيلها تاركا لما كان منها من محض الرأي فإنه قالها وقيلها غير ملتفت إلى ما اشتهر فالحق أحق بالاتباع وغير جامد على ما ذكر في الزبر فلمسلك التحقيق اتساع بل محض فيه النصح النصيح ومخض عن زبد الحق الصريح وأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر وأشار إلى تدقيقات نفسية تحوها صحف الأكابر ونسبة هذا المختصر إلى المطولات من الكتب الفقهية نسبة السبيكة الذهبية إلى التربة المعدنية كما يعرف ذلك من رسخ في العلوم قدمه وسبح في بحار المعارف ذهنه ولسانه وقلمه سأله جماعة من أهل الانتقاد والفهم النافذ العاضين على علوم الاجتهاد بأقوى لحي وأحد ناجذ أن يجلي عليهم عروس ذلك المختصر ويزفه إليهم ليمعنوا في محاسنه النظر فاستمهلهم ريثما يصحح منه ما يحتاج إلى التصحيح وينقح فيه ما لا يستغني عن التنقيح ويرجح من مباحثه ما هو مفتقر إلى الترجيح ويوضح من غوامضه ما لا بد فيه من التوضيح فشرحه بشرح مختصر من معين عيون الأدلة معتصر وسماه: "الدراري المضية شرح الدرر البهية" وفيهما قال قائل: إن شئت في شرح النبي * تقدح بزند فيه واري ** فاعكف على الدرر التي * سلكت بسمط من دراري. وقد عمل عليه الشيخ العلامة فيصل بن عبد العزيز آل مبارك المتوفى عام 1376هـ حاشية سماها الغرر النقية، قال في مطلعها: هذا الكتاب من أحسن المختصرات في الفقه وأوضحها وأصحها.أما موضوعات الكتاب فقد رتبت على أبواب الفقه؛ فالمجلد الأول من الشرح تضمن الأبواب من الطهارة إلى الحج، بينما المجلد الثاني تضمن الأبواب من النكاح إلى الجهاد والسير. ولما شرح الإمام الشوكاني كتابه الدرر البهية في (الدراري المضية)، وقد كان شرحه بالقول ونسخه تلاميذه، فسار المؤلف على نفس منواله وأعد هذا الشرح الذي بين يدينا مستوعبا له لفظا ومعنى، ومضيفا إليه مذاهب الفقهاء ليظهر ضعفها أو قوتها عند تقابل الأدلة وتعارضها بالآراء، كما زاد عليه شيئا من حاشية المؤلف، كما قد أملى هذا الشرح على طريق الارتجال، فجاء مختصرا وشاملا عظيم الفائدة. وكتاب الروضة الندية نافع في بابه لمن أراد أن يتعلم الفقه الذي رام أصحابه كمحمد صديق وقبله الشوكاني وغيرهما كثير أن يستنبطوا الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية دون التزام مذهب معين من المذاهب المعروفة المشهورة، وهؤلاء بين مصيب له أجران، ومخطئ له أجر واحد. ومع عظم قدر هذا المتن وجل فائدته إلا أنه يفتقر للشرح والتيسير على يد المعاصرين. والكتاب ينصح به للمتقدمين في الفقه، أما المبتدئ فأولى له أن يقرأ كتابا مختصرا من كتب المذاهب الأربعة المشهورة فيضبطه ويفهمه، ثم ينتقل إلى أكبر منه في نفس المذهب وهكذا حتى تتحصل عنده ملكة النظر والاستدلال، فيطالع في كتب الفقه المقارن.. ذلك أن المنهج الذي سار عليه صاحب الروضة الندية يُحدِث عند المبتدئ تزاحما في الأدلة والعلوم قد لا يتسع فهمه لها في هذه المرحلة. وقديما قيل: من أخذ العلم جملة ذهب جملة.ولأهمية هذا الكتاب فقد قام الشيخ محمد صبحي حسن الحلاق بتحقيقه واجتهد في العمل عليه من تخريج للأحاديث وتحقيق للنصوص وضبطها وترقيم أبوابه وفصوله، كما قام بوضع مقدمة للكتاب تحتوي على أربعة فصول: الفصل الأول في حياة صاحب الدرر البهية من نسبه ومولده ونشأته وحياته العلمية وغير ذلك، والفصل الثاني ترجمة لمؤلف الكتاب (الروضة الندية)، ثم الفصل الثالث في علم تخريج الحديث وبعض الكتب المؤلفة فيه، والفصل الرابع في منهج المحقق في تحقيقه للكتاب.