هذا الكتاب العظيم من تأليف الإمام عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي، أبو عبد الرحمن. وهو فقيه ومحدث، وهو أكثر الناس رواية عن أبيه. وهذا الكتاب من أمهات المصادر العقدية في كتب السلف، جمع فيه الشيخ الأحاديث من شتى أبواب العقيدة بأسانيدها، وروى عن مائة وستة وسبعين شيخا، وأكثر من روى عنه في كتابه هو الإمام أحمد بن حنبل، فقد تجاوز ما أورده في كتابه سماعا من أبيه أو قراءة عليه ستمائة وستين رواية. والكتاب يتضمن عدة أبواب في العقيدة، وقد عني في البداية بالرد على الجهمية، حيث ابتدأ كتابه بالإسناد إلى أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن خالد الهروي، ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه قال: "الحمد لله عند مفتتح كل كلام، وذكر كل نعمة، وصلى الله على محمد النبي وآله. سئل عما قالته العلماء في الجهمية الضلال وإكفارهم والصلاة خلفهم؟ قال عبد الله رحمه الله: سمعت أبي رحمه الله، يقول: "من قال: القرآن مخلوق فهو عندنا كافر، لأن القرآن من علم الله عز وجل وفيه أسماء الله عز وجل"، وذكر باقي الآثار. وقد أورد الكثير من نقول علماء السلف في هذا الموضوع؛ والموضوع الثاني يتعلق بأبي حنيفة؛ والموضوع الثالث مسألة رؤية الله سبحانه يوم القيامة وكيف أن الجهمية جحدتها؛ والموضوع الرابع مسألة الكرسي؛ والموضوع الخامس الإيمان والرد على المرجئة؛ والموضوع السادس القدرية وحكم الصلاة خلفهم؛ والموضوع السابع فيما ورد في ذكر الدجال وصفته؛ والموضوع الثامن في الرد على الجهمية مبينا إثبات صفة الوجه والرؤية وغير ذلك؛ أما الموضوع التاسع ففي ذكر الآيات التي يحتج بها على الجهمية؛ والموضوع العاشر ذكر ما ورد حول مسألة خلافة الأئمة رضي الله عنهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ والموضوع الحادي عشر في عذاب القبر وفتنته؛ والموضوع الثاني عشر والأخير في الخوارج. وسلك الإمام عبد الله بن أحمد منهجا علميا رصينا في هذا الكتاب كشف لنا به عن عمق شخصيته العلمية وتحريه ودقته وأمانته حين يعزو إلى أحد قولا من الأقوال وكذلك حاسة النقد العلمي النزيه المبني على قواعد المحدثين في هذا الشأن، ومن منهجه أيضا أنه يذكر في الباب أحاديث صحيحة ثم يورد قبلها أو بعدها طرقا أخرى لنفس الحديث، كما يكثر من ذكر الآثار بطرق متعددة منها ما هو صحيح ومنها ما هو غير ذلك، كما كان رحمه الله يسأل أباه عن حال الرجل في السند، كما ينبه على الراوي خشية الاختلاط.