هذا الكتاب الجليل في تفسير القرآن الكريم، ألفه الشيخ أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، الإمام العلامة المفسر، المتوفى سنة ٧٤١ هـ. وضبط الكتاب وصححه وخرج آياته الشيخ محمد سالم هاشم. ويقول ابن جزي عن الدافع الذي جعله يقوم بتفسير القرآن الكريم في مقدمة كتابه: "إن علم القرآن العظيم هو أرفع العلوم قدرا، وأجلها خطرا، وأعظمها أجرا، وأشرفها ذكرا، وإن الله أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن وتعلمه وتعليمه وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه، فاطلعت على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف، المتباينة الأصناف، فمنهم من آثر الاختصار، ومنهم من طوّل حتى كثّر الأسفار، ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض، ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس، ومنهم من عوّل على النظر والتدقيق والتحقيق، وكل أحد سلك طريقا نحاه، وذهب مذهبا ارتضاه، وكلا وعد الله الحسنى، فرغبت في سلوك طريقهم، والانخراط في مساق فريقهم، وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم، وسائر ما يتعلق به من العلوم، وسلكت مسلكا نافعا، إذ جعلته وجيزا جامعا". ويتكون الكتاب من مجلدين، والمجلد الأول يبدأ بمقدمة وتنقسم إلى قسمين، القسم الأول يتكون من اثني عشر بابا، تتناول نزول القرآن، والسور المكية والمدنية، ومعاني والعلوم التي تضمنها القرآن، وفنون العلم التي تتعلق بالقرآن، وأسباب الخلاف بين المفسرين، وفي ذكر المؤلفين، وفي الناسخ والمنسوخ، وجوامع القراءة، وفي الوقف، والفصاحة والبلاغة وأدوات البيان، وفي إعجاز القرآن، ثم في فضل القرآن، والقسم الثاني من المقدمة يتناول تفسير معاني اللغات، ثم في الكلام على الاستعاذة، ثم في الكلام على البسملة. ويشرع في تفسير القرآن في الجزء الأول من الفاتحة حتى سورة الكهف، أما في الجزء الثاني فيتناول باقي تفسير القرآن. وقد سلك المؤلف فيه مسلكا نافعا إذ جعله وجيزا جامعا قصد به أربعة مقاصد تتضمن أربع فوائد، الفائدة الأولى: جمع كثير من العلم في كتاب صغير الحجم تسهيلا على الطالبين وتقريبا على الراغبين فقد احتوى التفسير على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها وتنقيح فصولها وحذف حشوها وفضولها وقد أودعه من كل فن من فنون علم القرآن اللباب المرغوب فيه دون القشر المرغوب عنه من غير إفراط ولا تفريط، ثم إنه عزم على إيجاز العبارة وإفراط الاختصار وترك التطويل والتكرار. الفائدة الثانية: ذكر نكت عجيبة وفوائد غريبة قلما توجد في كتاب، وهي مما أخذها عن شيوخه أو مما التقطه من مستظرفات النوادر الواقعة في غرائب الدفاتر. الفائدة الثالثة: إيضاح المشكلات إما بحل العقد المقفلات وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات وبيان المجملات. الفائدة الرابعة: تحقيق أقوال المفسرين السقيم منها والصحيح وتمييز الراجح من المرجوح. وقد اعتمد المؤلف في مصادره على المأثور، وهو كل ما أثر عن رسول الله وعن صحابته، وعن التابعين ممن عرفوا بالتفسير، وكانت لهم آراء مستقلة مبنية على اجتهادهم. أما أنواعه فقد حددها من ذكر هذا المصطلح من المعاصرين بأربعة هي: تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة النبوية، وبأقوال الصحابة، وبأقوال التابعين. وتفسير ابن جزي من الكتب المختصرة جدا، وهو جامع بين الرواية والدراية، وهذا الكتاب يصلح أن يكون أصلا يعتمد عليه، بحيث يكون عند طالب العلم يضبطه، ويضيف عليه، ويعلق عليه، ويرجع إليه حينا بعد حين، يراجعه، ويكرره.