الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني
صالح عبد الحميد الآبي الأزهري
الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني
نبذة عن الكتاب

هذا الكتاب القيم هو شرح على متن "الرسالة" المسماة أيضا بعقيدة السلف، لأبي زيد القيرواني، وهو العلامة أبو محمد عبد الله ابن أبي زيد المالكي، ويقال له مالك الصغير، وكان أحد من برز في العلم والفضل، فكان يقول القاضي عياض فيه: "حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب، وملأ البلاد من تواليفه، تفقه بفقهاء القيروان، وعول على أبي بكر بن اللباد". وتعد "الرسالة الفقهية" أو ما يعرف بـ"رسالة ابن أبي زيد القيرواني" من أشهر وأنفس ذخائر التراث المالكي في القرن الرابع الهجري. وتتمثل أهمية هذا المتن المختصر في كونه المصدر الثالث في المذهب بعد الموطأ والمدونة. و"الرسالة" هي أول مؤلفات ابن أبي زيد، وأيضا أول مختصرات المالكية، وهي تضم أبواب الشريعة من التوحيد، والفقه، والآداب، وقد حوت نحو أربعة آلاف مسألة. وقد اعتمدها المالكية شرقا وغربا، وعكفوا عليها دراسة، وتدريسا، وتلقينا، وحفظا، وشرحا، ونظما؛ حتى بلغت شروحها نحو ثلاثين. وقد أفصح المؤلف في المقدمة عما دعاه لتأليف متن رسالته فقال مخاطبا تلميذه الشيخ محرز بن خلف البكري التونسي المالكي: "فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانات مما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة وتعلمه الجوارح، وما يتعلق بالواجب من ذلك في السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها وشيء من الآداب منها، وجمل من أصول الفقه، وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس وطريقته". ويهدف المصنف أن يكون كتابه تعليميا للصبيان حيث يقول في نهاية رسالته: "قد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليم ذلك من الصغار، ومن احتاج إليه من الكبار. وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه ويعمل به من فرائضه، ويفهم كثيرا من أصول الرغائب والآداب". والكتيب على صغر حجمه واختصاره، حوى بين دفتيه أربعة آلاف مسألة، يجب على المكلف معرفتها ولا يسعه جهله؛ فالمصنف قد عقد في كتابه بابا كاملا سماه: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات، ضمَّنه مسائل عقدية مهمة في التوحيد والإيمان. أعقب ذلك بمسائل فقهية من الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والنكاح والبيوع، والوصايا، والمدبر، والمكاتب، والشفعة، والهبة، والصدقة، والحبس، والرهن، والعارية، والوديعة، واللقطة، وأحكام الدماء، والحدود، والأقضية، والشهادات، والأطعمة، وغيرها، بالإضافة إلى بعض الآداب الشرعية. وقد رتبها ابن أبي زيد على أربعة وأربعين بابا غير الباب المتعلق بالعقائد. وقد سلك المؤلف رحمه الله أسلوبا واضحا بالاعتماد على المشهور والراجح من المذهب دون ذكر الخلاف. وجنح إلى الاختصار المفيد حتى لا يتم الإخلال بالمقصود، مجتنبا بذلك الحشو والزيادة، ذلك أن الكتاب قد رام فيه مؤلفه تبصرة للمبتدئين. وقد تلقى العامة والخاصة الكتاب بالقبول، فتنافسوا في اقتنائه حتى رُوي أن أول نسخة منه بيعت ببغداد في حلقة أبي بكر الأبهري بوزنها ذهبا، كما رُوي أن بعض نسخه كتبت بالذهب، وليس هذا فحسب فقد انكب عليه المعلمون والمتعلمون بالقراءة والشرح والتعليق قديما وحديثا، بحيث اعتبرها القرافي من جملة خمسة كتب عكف عليها المالكيون شرقا وغربا. وقد ذكر الدكتور عمر الجيدي أن الأعمال التي أقميت حول الرسالة بلغت ثلاثا وخمسين عملا، وأشار إلى أن الشيخ حسن حسني عبد الوهاب ذكر أن عدد شروح الرسالة يفوق المائة، نخص منها بالذكر على سبيل المثال: شرح القاضي عبد الوهاب، وقد بيعت أول نسخة منه بمائة مثقال ذهبا، وممن شرحها أيضا يوسف بن عمر الأنفاسي، وقاسم بن عيسى بن ناجي، وأبو العباس القلشاني، وابن الفخار، وغيرهم. وقد لقي الكتاب اهتماما بليغا أيضا من لدن المستشرقين وترجموه إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية.ومقدمة هذه الرسالة على وجازتها تشتمل على أصول الاعتقاد في الإسلام على طريقة سلف هذه الأمة وخيارها من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم، فتعتني ببيان حقيقة الإيمان وأركانه الستة، وتقرير توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، كالاستواء، وإثباتها على حقيقتها، وتفويض كيفيتها، إثباتا من غير تفويض للحقيقة، ولا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل. وقد أقدم الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد على تحقيقها والاعتناء بها لما وجدها منشورة باسم "العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار"، من تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، وقد حرف فيها وأدخل من اللبس والخلط بين العقيدة السليمة وعقيدته فغشاها من عقيدة التفويض والتحريف الكثير؛ فقام الشيخ بكر أبو زيد بإعادة تحقيقها وبدأ في مطلعها بفصلين في توظيف التحريف لنص مقدمة الرسالة؛ وتوظيفه التحريف لمعانيها بصرفها عن طريقة السلف. وقد عمد الإمام إلى أن يكون المتن مختصرا وعلى مذهب الإمام مالك وعقيدة السلف الصالح، ثم نظمت في أبيات لتسهل على الحفظ للصغار ولهذا السبب أيضا جعلت مختصرة بدون إطناب أو تفصيل.ويعد "الثمر الداني" من أهم شروح الرسالة، وهو للعلامة صالح عبد السميع الآبي أحد علماء القرن الرابع عشر، لما وجد الرسالة قد كثر الاقبال عليها والاشتغال بها، وأكثر المتقدمون والمتأخرون من العناية ببيانها لكن إما بكلام طويل تقصر عنه الهمم أو باختصار يعسر على الفهم، فقام بشرحها شرحا يبين مرادها ويستخرج دررها بعبارات واضحة ونقول معتمدة راجحة لا بالطويل الممل ولا المختصر المخل. ويعد من أهم الشروح على الرسالة القيروانية، لما تميز به من اعتماد كتب المتقدمين والمتأخرين في شرحه، وما تضمنه من دقة الجمع والتحرير وتعزيزه للمسائل الفقهية بالأدلة الشرعية وآراء الفقهاء والأئمة.