الكتاب للمؤرخ والمفكر الإسلامي الكبير الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بالجامعات العربية والإسلامية، يمثل دراسة هامة حول سقوط دولة بني أمية في المشرق، حيث يحاول كاتبنا الإجابة عن السؤال الذي كان مثار حيرة ودهشة للمؤرخين، حول العمر القصير والسقوط السريع لتلك الدولة القوية التي عرفت بدولة الفتوحات الإسلامية وحفلت بقادة عظماء من كبار الصحابة والتابعين، وبمقارنة الدولة الأموية بغيرها من الدول الإسلامية التي استمرت فترات طويلة نجد أن وجه المقارنة متقارب فلم تكن الدولة الأموية تقل عن نظيراتها من دولة العباسيين أو الفاطميين أو غيرها من الدول الإسلامية رجالًا وعدة وعتادًا لكي تنتهي في ذلك العمر القصير نسبيًا. ويرى المؤلف أن امتداد أعمار الدول ليس بالضرورة دليلًا على أهليتها للبقاء، وأن ميزان الأمويين في التاريخ - على قصر عمرهم - لا يقل عن ميزان العباسيين مع طول عمرهم، ومن ثم فإن دراسة موسعة لأسباب سقوط الدولة الأموية دون تحيز سياسي أو تاريخي أو عاطفي ضدهم قد يساعدنا في التعرف على طبيعة الدولة الأموية وأسباب سقوطها المفاجئ.وقد أوردت معظم المصادر أسبابا لهذا السقوط مثل الملك العضوض والعصبية وكثرة الثورات وقتل بعض الصالحين، لكن الكتاب يناقش كل تلك الأسباب وغيرها.وقد جاء البحث في فقرات متصلة تتخللها عناوين تمثل رؤوس مباحثه، وهي: بنو أمية والكتابات المتحيزة، بنو أمية: سيرة شخصية، بنو أمية: تقويم تاريخي، سقوط بني أمية - أسباب غير أساسية للسقوط، الأسباب الأساسية للسقوط.ويخلص الكتاب إلى تقرير مفاده أنه لا أسباب حقيقية تذكر لسقوط بني أمية، لأن الأسباب التي يجنح إليها الدارسون تكاد توجد في معظم الدول والحضارات بل بعضها من السنن الاجتماعية، لكن بني أمية انتحروا من الداخل، فهم لم ينبعثوا بتيار حضاري يتمم تيارات الفتوحات ويكمله ويمتص كل حركات الخروج والفتن، فهذا هو خطؤهم الحضاري الكبير، فبعد أن اتسعت رقعة الأرض التي يقفون فوقها كان بإمكانهم تحويل كل المناوئين إلى عاملين معهم في مجال نشر الإسلام والعربية والقضاء على الفرق والطوائف والشيع بالحوار والفكر ونشر الإسلام الصحيح وترجمته إلى لغات البلاد المفتوحة، أي بإيجاز تحقيق التوازن بين الدولة والدعوة، والأرض والعقيدة، والسياسة والفكر.ويتميز البحث بالإنصاف والمنهج العلمي الرصين، واعتماد كتب المحدثين والفقهاء من أمثال الصحاح الستة وأئمة المذاهب وغيرهم من الفقهاء المجتهدين، حيث كان حريصا على توثيق النقول والعزو. كما تميز البحث بالرد على انحرافات الدارسين لتلك الحقبة في القديم والحديث. حيث ينعي مؤرخنا على الكتابات المتحيزة ضد الأمويين والمحملة بالأحكام العاطفية والأحكام المسبقة على هذه الحلقة من تاريخنا الإسلامي، كأمثال كتابات ابن قتيبة واليعقوبي والمسعودي وابن عبد ربه والأصفهاني والمبرد. ويثني في الوقت ذاته على المصادر التي كانت محايدة وعلى رأسها الطبري وابن خياط ثم ابن حزم وابن العربي وابن الأثير وابن خلدون. على أن المنصفين لم يخلوا من التأثر بالكتابات المتحيزة المذكورة ومنهم من المعاصرين سيد قطب وعباس محمود العقاد، دعك من كتابات طه حسين وعبد الرحمن الشرقاوي ومن لف لفهم.