هذا الكتاب هو واحد من الدراسات للمفكر والمؤرخ اللبناني الدكتور حسان حلاق حول جوانب الحضارة الإسلامية. تركزت عناية الباحثين في السنوات الأخيرة بدراسة جوانب الحضارة الإسلامية نظرا لأهميتها في مختلف الميادين العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية أيضا، ونظرا لما قامت به هذه الحضارة من دور بارز في العالم الإسلامي أو لأثرها الواضح على حياة أوربا التي كانت تئن من وطأة التخلف والجهل، فجاءت الحضارة الإسلامية لتوقظها من سباتها وتخلفها العميق. وقد استعرض الباحث جوانب مختلفة من الحضارة الإسلامية في تسعة فصول: ملامح في أنظمة الحضارة الإسلامية، النظام الإداري في العهد الإسلامي الأول، النظام القضائي الإداري الإسلامي في المدن الإسلامية (المحتسب)، النظام الاقتصادي والنقدي، عطاء العرب الحضاري في ميدان التاريخ، ملامح من الحضارة الفكرية والتراث العلمي عند المسلمين، أثر الحضارة الإسلامية في الأندلس، أثر الحضارة الإسلامية في صقلية، أثر الحضارة الإسلامية على الصليبيين في بلاد الشام. وقد ذيل بحثه بمجموعة من اللوحات والرسوم، واستند إلى مجموعة ثرية من المصادر والمراجع العربية والأجنبية.وأٍلوب الكتاب يتميز بالسلاسة والاسترسال في سرد الحقائق والمعلومات مع قدر من تحليل المؤرخ في سياق سردي متصل ومتماسك، يظهر فيه الاعتزاز بالحضارة الإسلامية والثقة بدعائمها وآثارها. كما تظهر جودة الترتيب والتبويب في الكتاب خلافا لبعض الدراسات الحديثة لا سيما مؤلف غيداء خزنة كاتبي "دراسات في الحضارة العربية الإسلامية". وعلى الرغم من أن الباحث قد غلب تسمية "الحضارة الإسلامية" ووفق في اختيارها عنوانا لكتابه، إلا أنه يرى أن مصطلح "الحضارة الإسلامية" أو "الحضارة العربية" لا تناقض بينها، فهما توأم حضاري لا ينفصل، فالمسلمون من العرب وغير العرب وكذلك العرب من المسلمين وغير المسلمين كلهم ساهموا في تكوين وتفعيل هذه الحضارة، وهذا محل نظر لأن النسبة لا يصح أن تتعلق بالأشخاص الذين لولا هيمنة الإسلام لما تعلقت بهم حضارة، فالعرب المسلمون وغير المسلمين الذين أسهموا في بناء هذه الحضارة إنما فعلوا ذلك تحت سلطان الإسلام وبقوة دافعة منه كدين متفرد جاء لإصلاح الدنيا والآخرة. فمثلا حنين بن إسحاق له جهد في الترجمة لكنه كان من رعايا الدولة الإسلامية، تماما مثلما يسهم مهاجر عربي الآن في نهضة دولة أجنبية فإن ذلك يرجع الفضل فيه للنظام الموضوع والمحفز على الإنتاج والتقدم، لا إلى البلد العربي التي ينتسب إليها المواطن الأجنبي من جهة أصله!.