أصل هذه الدراسة سلسلة من الدراسات تناولت جماعة "القاعدة" أو ما بات يُعرف باسم السلفية الجهادية، والذي تجاوز التيار باعتباره أطروحة عقدية صارت ملكا للأمة. وهذا يعني أنه لم يعد تيارا مسلحا فقط بقدر ما هو تيار شعبي، ليس الخلاف معه إلا خلاف نسبي يقع في مستوى الفقه وليس في المستوى العقدي. ومن ثم يعد هذا الكتاب دراسة توصيفية تحليلية لتيار السلفية الجهادية. وقد دفع الكاتب إلى التصنيف في هذا الموضوع جدة هذا التيار حتى بلغ مبلغ الظاهرة التي انطلقت من حيث انتهت كل التيارات أو الجماعات الإسلامية والوطنية السابقة عليه. وتأتي أهمية الكتاب من كونه الكتاب الأول الذي يؤلفه محلل ومراقب سياسي من خارج تيار الجهاد العالمي ويتلافى فيه التحيزات المختلفة التي وقعت فيها دوائر سياسية ومراكز بحثية مستقلة أو تابعة لوكالات استخبارات عالمية ومحللين سياسيين ومادة إخبارية مما يقف وراء هذه المادة المعرفية الهائلة. ويهدف الكتاب إلى التشريح الداخلي لهذا التيار، وتحليل أفكاره واتجاهاته؛ فهو كتاب يتناول تيار الجهاد العالمي بالدرس والتوصيف والتحليل، واستنباط الأصول البعيدة التي يتحرك بها، وتشكل في مجملها الأسس الفكرية لبنائه النظري، ثم ما يستتبع ذلك من فعالية حركية على الأرض. وليس الغرض من البحث غرضا نقديا بتقويم الظاهرة والحكم عليها؛ فالذي يعنيه هو التوصيف الموضوعي فقط. وقد اتبع الباحث المنهج التحليلي لتوصيف الظاهرة، يعتمد فيه على نفس منطق السلفية الجهادية ويستكشف منطلقاته الفكرية والشرعية على نحو يتجاوز أخطاء تسليط المفاهيم والأدوات المعرفية الحداثية على الظاهرة الجهادية، ما سيؤدي إلى فشل حتمي في قراءتها وتفسيرها. وقد صدَّر المؤلف محتوى بحثه بمدخل منهجي أبان فيه عن مجمل الأصول النظرية التي اعتمدها في بحثه هذا. ثم يأتي البحث بعد ذلك متنوعا ينزع إلى التشعب في الجوانب الفكرية والسياسية والتاريخية متفرقة ومجتمعة؛ فأول ذلك العناية المفصلة بتأريخ التيار منذ بواكير نشأته مرورا بأحداث ١١ سبتمبر، فالغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وحتى الآن. ثم بيان علاقة الخصومة بين هذا التيار وبين النظام العالمي وعلاقته ببقية الحركات الإسلامية سواء منها من انتظم تحت مظلة النظام العالمي فاشتد خلافه معها أو السلفية التقليدية التي اختلف معها التيار في خطأ تنزيل الأحكام على الواقع، وحصر معنى الطاغوت على توحيد العبادة والممارسات الشركية والبدع العملية دون توسيع المفهوم ليشمل أنظمة الحكم الوضعية والتي تعمل لصالح النظام العالمي. وقد أشار المؤلف إلى أنواع الأطروحات السابقة التي قُدّمت لدراسة تيار الجهاد العالمي وحصرها في ستة أنواع: أطروحات محافظة تنزع إلى المبالغة في الحياد، وأطروحات ظاهرية تتحرج من التعمق في الظاهرة أو تخشى المتاعب الأمنية، وأطروحات معادية للظاهرة عقديا وسياسيا وإعلاميا، وأطروحات أكاديمية تجهل الخصائص الواقعية للظاهرة، وأطروحات أيديولوجية تستخف بالظاهرة، وأطروحات صماء لا تعترف بوجود الظاهرة. وقد اقتضى النهج الذي اتبعه الكاتب أن يكون الاعتماد على نفس الإنتاج المعرفي لموضوع الدراسة، وهذا يتضح في إحالات البحث التي تنوعت بين مادة مرئية ومسموعة لقادة التيار وبين وثائق وبيانات ولقاءات وحوارات ومصادر مكتوبة صادرة عن القادة أو المناصرين.