الكتاب بحث فريد في حينه وهو من أوائل ما كتب في فقه السيرة، كتبه صاحبه حينئذ وهو مفعم بحب السيرة واقتفاء أثر النبي في الدعوة والجهاد. قد ألفه في مقابل المدرسة الفكرية المنتشرة حينئذ المتأثرة بالنهج الغربي في فهم الإسلام، وهي مدرسة الإصلاح المزعومة من الذين يرفعون الشعار العصري المشبوه "قراءة معاصرة"، ويمثلهم حسين هيكل صاحب "حياة محمد" الذي أعلن أنه لا يريد أن يفهم حياة محمد عليه الصلاة والسلام إلا كما يأمر به "العلم"، ولذلك فلا خوارق ولا معجزات في حياة النبي إنما هو القرآن، والقرآن فقط. وانبرى الشيخ المراغي شيخ الأزهر إذ ذاك يقرظ كتاب هيكل ويبارك الخطوة الرائدة، وانطلق محمد فريد وجدي هو الآخر ينشر سلسلة مقالاته داعيا فيها إلى فهم الإسلام والسيرة النّبوية عن طريق "العلم". لهذا فقد سلك كاتبنا منهج البحث العلمي أو ما يسميه "المنهج المدرسي القائم على استنباط القواعد والأحكام"، مبتعدا عن المنهج الأدبي التحليلي المجرد، وإن كان لكل مزيته وفائدته، ذلك لأن المجال الذي يقدم فيه الكتاب وهو المجال الجامعي إنما ينسجم ويتفق مع الطريقة الأولى. فتحدث كاتبنا عن هذه الأخطاء وعن العوامل الخفية والمصطنعة التي أدت إليها، كما تحدث عن المنهج العلمي الذي يجب أن يتبع في كتابة السيرة النّبوية، مقارنا بالمدارس والمناهج الأخرى، واستنبط الدروس والفوائد التربوية والدعوية والفقهية، في أسلوب يمتع القارئ ويرسخ فيه المفاهيم الأصيلة من الإيمان بالغيب والتسليم لأخبار الصادق المصدوق وحاكمية الشريعة وهيمنتها وأصالة مفهوم الدولة في الإسلام وتفرد مفهوم الجهاد في الشرع ودور الشباب في الدعوة الإسلامية وغير ذلك. وقد وقع الكتاب في ستة أقسام: القسم الأوّل مقدّمات، واشتملت على أهميّة السّيرة النبويّة في فهم الإسلام، السّيرة النبويّة كيف تطوّرت دراستها وكيف يجب فهمها اليوم، سرّ اختيار الجزيرة العربيّة مهدا لنشأة الإسلام، محمد صلّى الله عليه وسلم خاتم النّبيّين وعلاقة دعوته بالدّعوات السّماوية السّابقة، الجاهليّة وما كان فيها من بقايا الحنيفيّة؛ القسم الثّاني من الميلاد إلى البعثة؛ القسم الثالث من البعثة إلى الهجرة؛ القسم الرابع أسس المجتمع الجديد؛ القسم الخامس مرحلة الحرب الدفاعية؛ القسم السادس الفتح: مقدّماته ونتائجه؛ ثم خاتمة في بعض صفاته صلّى الله عليه وسلم وفضل زيارة مسجده وقبره؛ وأخيرا خلاصة عن تاريخ الخلافة الراشدة.والكاتب يسرد الأحداث على وجه مختصر مع قليل من العزو، ثم يتبع كل حدث بالعبر والعظات. وهو في فقهه المستفاد من السيرة يرسخ كثيرا من المفاهيم التي اشتبهت على المعاصرين مثل مفهوم الجهاد والإمامة وتوصيف ما وقع من الفتنة بين الصحابة ونحو ذلك. والكتاب به هنات يسيرة ذكر المؤلف نفسه أنه اجتهاد قد يخطئ، مثل مشروعية التوسل بالنبي والقيام.. إلخ. ولا يخفى أن الكتاب كتب قبل انحراف مؤلفه عن منهجه وتنكره لكل ما أصله وغرسه، نسأل الله تعالى الثبات والعافية. ومع ذلك فإن الكتاب جدير بالقراءة والإفادة منه، بل وفيه عبرة للمؤمن بأن الهدى ثم الثبات على الهدى بيد الله وحده، وأن من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. كما أن ما رسخه المؤلف أولا في كتابه هذا حجة على ما دعا إليه آخرا من موالاة واحد من طغاة العصر الحديث.