قدم لنا الشيخ علي الصلابي في خمسة فصول تفرعت لمباحث، كتابه الرابع ضمن "صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي"، وكان قد أبدى في كتاباته الاعتزاز بالمذهب السني والتحيز له وذلك مما ميزه عن غيره، متمسكا بتقرير سنن الله في بناء الدول وإحياء الشعوب، وقد سلك النهج الأمثل الذي اعتنقه على طول الخط في إتمامه لـ"صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي"؛ فأعطى نبذة تاريخية عن أصول القبائل التي قامت عليها الدولة، ثم النظرة العامة عن موقعهم وحياتهم الاقتصادية والدينية والسياسية قبل دخول الإسلام، ثم كيف جعلها أمة تحمل الإسلام عقيدة ودعوة ومنهاجا، ترتقي به بين سائر الأمم، في ظل ذكر زعماء الدولة وإنجازاتهم، في حين لا يُغفل زلالتهم وعثراتهم. وعلى ذلك فقد خصص فصلا ببناء دولة المرابطين من النشأة إلى التمكين، مرورا بالمراحل التي مر بها أبرز الزعماء في بناء الدولة، ثم المرابطون والمسلمون في الأندلس وكيف كان دورهم في الدفاع عن مسلمي الأندلس، وأسباب ضعفهم من الأساس، وكيف كان العالم الإسلامي في هذا الزمن، ولم يُغفل الشيخ الجانب السياسي بل ذكر كل سياسات الدولة الداخلية والخارجية من علاقات ومعاملات وحقوق للرعية من جهة، وسياسة المرابطين في دولتهم اقتصاديا وعسكريا ونظم الحكم وغيرها من نواحي قيام الدولة من جهة أخرى. وسنة لله في الكون أن بعد كل تمكين سقوط؛ فقبل أن يذكر أسباب سقوط دولة المرابطين وعوامله، أظهر الجانب المشرق الذي عاشه المسلمون آنذاك مع أهم أعمالهم وأوجه براعتهم في شتى علوم الدنيا. وعلى طريقته الحميدة فقد بين المؤلف أهدافا خمس في مقدمته: التعريف بزعماء المرابطين، وإظهار معانٍ في فقه التمكين من خلال المنظور التاريخي لدولة المرابطين، والتأكيد على مبدأ الاعتبار بمعرفة أحوال الدول وعوامل بنائها وأسباب سقوطها، والاهتمام بمعرفة عقيدة أهل السنة والجماعة وتربية أبناء الأمة عليها، وإثراء المكتبة الإسلامية التاريخية بالأبحاث المنبثقة عن عقيدة صحيحة وتصور سليم بعيدا عن سموم المستشرقين. يميز الكتاب أسلوبه الرائق المسترسل، المدعم بالاستشهاد بالنقول والآثار والعزو للمصادر والمراجع المعتمدة، وذكره لنتائج البحث في آخر الكتاب، بينما يعيبه عدم ذكر المراجع في قسم خاص كما هو معهود في التأليف.