صدر هذا الكتاب عام 1921م، في أعقاب "الحرب الكبرى" وهي ما نعرفه الآن باسم الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وهو أحد الأبحاث الهامة للباحث المؤرخ الأمريكي ثيودور لوثروب ستودارد، حيث صدرت النسخة الإنجليزية بعنوان "The New World of Islam"، وترجمه عجاج نويهض تحت اسم "حاضر العالم الإسلامي" حيث ارتأى ذلك أليق بمراد كاتبه، وعلق عليه الأمير شكيب أرسلان.لقد سرت روح اليقظة في العالم الإسلامي في أعقاب الحرب العالمية، وباتت تنذر المستعمر بأسوأ العواقب، وإن العالم الإسلامي إذ ذاك من أقصاه إلى أقصاه كانت قد تغلغلت فيه عوامل الانقلاب أبعد متغلغل، وإن وصف ذاك الانقلاب العجيب، ودور التحول العظيم، وما إليهما من مختلف العلل والأسباب والنتائج، هو غرض المؤلف الذي ابتغاه من إخراج كتابه هذا للناس حينذاك.يقع الكتاب في أربعة أجزاء في مجلدين، وقد عرض مؤلفه حال الأمة الإسلامية بتتبع يبدأ بظهور الرسالة المحمدية وصولا إلى الحرب العالمية الأولى وردود الفعل الشرقية، وما خلفته من آثار. ويتألف الكتاب من مقدمة وتسعة فصول: تضمنت المقدمة "في نشوء الإسلام وارتقائه وانحطاطه" عرضا موجزا لتاريخ الإسلام منذ البعثة النبوية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن استيلاء الغرب على بلدان العالم الإسلامي. وفيها يرصد المؤلف انفجارًا وشِيكا في العالم الإسلامي، ويصرح أن هدف الكتاب هو وصف مظاهر ذلك الانفجار المرتقب. وفي هذه المقدمة يذهب إلى أن النزاع السياسي على الخلافة وراء انحطاط المسلمين سياسيا، ويجعل استيلاء العثمانيين على الخلافة قمة هذا الانحطاط. أما الانحطاط الحضاري للمسلمين فيزعم أن تسلط مذهب أهل السنة على مذهب المعتزلة وراء هذه الهزيمة الحضارية. وفي الفصل الأول "في اليقظة الإسلامية" سَرْدٌ موجز لقصة الدعوة الوهابية "السلفية" وانتشار صداها في العالم الإسلامي لتكون سببا في نهضته بعد طول رقاد. وفي الفصل الثاني "في الجامعة الإسلامية" وهي "الشعور بالوحدة العامة والعروة الوثقى التي لا انفصام لها بين جميع المؤمنين في المعمور الإسلامي" يقرر أنه ليس من دين في الدنيا جَامع بين أبنائه بعضهم مع بعض مُوَحِّد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروتها كدين الإسلام. وفي الفصل الثالث "سيطرة الغرب على الشرق" بحث مدى تأثر الشرق بالغرب في العادات واللباس والفكر وغير ذلك، ثم ما يتنازع الشرق بين عاملي القديم والجديد. أما الفصل الرابع "في التطور السياسي" ففيه يصف المؤلف ما عانى منه العالم الإسلامي من استبداد الحكام، ثم دعوات الحرية والاستقلال التي ظهرت حديثا، ويطيل البحث حول مدى أهلية العالم الإسلامي لنيل الحرية. وفي الفصل الخامس "في العصبية الجنسية" يرصد الدعوات القومية التي ظهرت في العالم الإسلامي منتهى القرن التاسع عشر لاسيما لدى الترك والعرب ممثلة في: "الجامعة الطورانية"، و"الجامعة العربية"، و"الوطنية المصرية"، وما صاحب ذلك من نشاط لدعمها والالتفاف حولها. والفصل السادس "في العصبية الجنسية في الهند". والسابع "في التطور الاقتصادي" وهو حول الاستعمار الاقتصادي الغربي للعالم الإسلامي، وبحث مستقبله الاقتصادي. وفي الفصل الثامن "التطور الاجتماعي" وصف الحالة الاجتماعية للعالم الإسلامي إبان الحرب العالمية الأولى، وعوامل تطوره، ومدى تأثره بالغرب. أما الفصل التاسع "القلق الاجتماعي والبلشفية"، وبه ختام الفصول، يدرس المؤلف ما يعتري العلام الإسلامي آنذاك من قلق اجتماعي مصاحب للتغيير الطارئ عليه مما قد يشكل بيئة صالحة لانتشار البلشفية الروسية بين ربوعه.والكتاب مصدر هام للاطلاع على حال العالم الإسلامي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وفيه رصد لجهود التنصير في إفريقيا وغيرها من بلدان العالم، وفيه معلومات هامة عن دور التعليم في الغزو الفكري للمسلمين.وينبغي أخذ الحذر عند مطالعة عبارات المؤلف التي تحمل في طياتها الكثير، وإن حاول أن يبدو منصفا صادقا، إلا أنه لا ينفك بطبيعة الحال عن الانتماء لحضارته وثقافته (كتعبيره عن الغزو الفكري والإعداد للتنصير بالتهذيب).وقد عاصر المؤلف كثيرا من الأحداث التي كتب عنها، لذا فإن اعتماده على المصادر والمراجع جاء قليلا، فقد نقل بعضها سماعا من الأشخاص الذين كانوا في قلب الحدث، سواء كانوا من عامة الناس أو من أهل الاختصاص من رجال الدين والسياسة والاقتصاد في الشرق والغرب، واعتمد على بعض الكتب العربية والأجنبية، كما اعتمد على بعض المقالات التي كان يصدر بعضها في بلاد الشرق والغرب وقت وقوع الحدث، وأخيرا استعان المؤلف ببعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه.وقد انتهج المؤلف طريقة التحليل والمقارنة والاستنتاج للوصول إلى نتائج جديدة مع عرض للأسباب والمسببات. واتسم بالموضوعية والحياد في تناول بعض الموضوعات وعلى النقيض في البعض منها. كما حرص على التسلسل الزمني والمنطقي للأحداث وسبق بعضها خلفية تاريخية حتى يكون الموضوع على قدر كاف من الوضوح لدى القارئ. كما عرّف المؤلف ببعض الشخصيات والأماكن التي كان لها الأثر البالغ في مجريات بعض الأحداث.أما شكيب أرسلان فقد أرخى لقلمه العنان فأضاف للكتاب الكثير من البحوث والتعليقات التي أدت بالكتاب أن يكون بديلا - إلى حين - لدائرة معارف عن العالم الإسلامي آنذاك، فعقب على المقدمة بستة عشر بحثا، ثم عقب بتسعة عشر بحثا أخرى على الفصول: 1، 2، 4، 5، 9. وقد تطرقت بحوث أرسلان إلى مسائل مختلفة منها: سر نجاح فتوح الإسلام وفي وقت وجيز، والبعثة المحمدية وأقوال جمهرة من العلماء والفلاسفة والمؤرخين الأوربيين في النبي صلى الله عليه وسلم المنصف منهم والمغرض، وبحث الحضارة الإسلامية ورقي العرب الفكري في القرون الوسطى، ومنها نظرية "القومية العثمانية الإسلامية" و"القومية التركية الطورانية"، وإسلام الفرس ومبدأ التشيع، والتسامح والتعصب بين الإسلام وأوربا، والفرق بين الخلافة والملك، وأثر روسيا في الشرق قديما وحديثا، والفتوحات الإسلامية في الهند، والإسلام في جاوة وما جاورها، وحديث عن مسلمي الفليبين والأندلس (وهو بحث مطول هام في ذكر حضارة المسلمين في الأندلس، وما وقع لهم بعد سقوطها)، وبحث عن جرائم الإيطاليين في ليبيا مع عرض تاريخي لاحتلال إيطاليا لطرابلس، وحديث مطول عن القبائل في منطقتي برقة وطرابلس الغرب، وتاريخ الدعوة السنوسية.. وغير ذلك. كما ضمت تراجم لزويمر، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وجمال الدين الأفغاني، وأحمد الشريف السنوسي، وعبد القادر الجزائري، وأنور باشا، وغيرهم.