تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه فاتحة سلسلة جديدة عن حركات الإصلاح في تاريخ الأمة الإسلامية. وهو يهدف إلى كشف حقيقة كون صلاح الدين لبنة من لبنات جيل كامل جديد استقام منهج أفراده، وتغيرت نفوسهم وتصوراتهم وقيمهم وتقاليدهم وعاداتهم. يقول في المقدمة: "إن هذا الكتاب دعوة إلى اعادة قراءة تاريخنا واستلهام نماذجه الناجحة، ودعوة إلى فقه سنن التغيير وكيف ان ظاهرة صلاح الدين ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة ولكنها خاتمة ونهاية ونتيجه مقدرة لعوامل التجديد ولجهود الامة المجتهدة، وهي ثمرة مائة عام من محاولات التجديد والإصلاح. وبذلك فهي نموذج قابل للتكرار في كل العصور". ومن ثم كان الدافع لتصنيف الكتاب هو ما رصده الكاتب في الواقع الإسلامي المعاصر والحال التي وصل إليها المسلمون من هوان، مما يفرض على علماء المسلمين أن يستنهضوا الهمم والطاقات الكامنة في جوف الشعوب المتعطشة للتغيير. ولكنه يتميز بطريقة في معالجة هذا الواقع تختلف عما سبقه ممن تعرض لبطولات صلاح الدين، فركزوا على حركة الجهاد العسكري التي قادها آل زنكي ثم صلاح الدين والتي انتهت بتحرير البلاد وتطهير المقدسات. بينما يعالج الكتاب هذا الموضوع من زاوية التغيير الشامل الذي حدث في جيل صلاح الدين في جميع النواحي التعليمية والاجتماعية والخلقية. أما عن منهج البحث فإنه يعالج القضية من خلال المنهج التاريخي التحليلي مفترضا أن المجتمع يتكون من ثلاث مكونات هي الأفكار والأشخاص والأشياء، وأن السلوك الإنساني هو قصد يتجسد في الفكر والإرادة وحركة تتجسد في الممارسات العملية. ويتسم أسلوب الكتاب بالمنهجية والترتيب وكثرة النقول والاستدلال، وهذه سمات الأسلوب الأكاديمي بوجه عام. ويتوجه هذا الكتاب بموضوعاته الفكرية المتعددة إلى كل فئات المجتمع إبتداءً من رأس الهرم متمثلا بالحكام إلى قاع الهرم المتمثل بالفئات الكادحة والفقيرة في المجتمعات الاسلامية، وهو يحدد الفئات المخاطَبة في مقدمته مخاطبا الفقهاء والعلماء، والملوك والرؤساء، وقادة الجماعات والأحزاب، والتربويين والمشرفين على المؤسسات التربوية، والعسكريين، والمؤرخين، والاقتصاديين، ودول الطوائف، والرجال والنساء. يتعرض هذا الكتاب اولا للتكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبل الحروب الصليبية، واثار اضطراب الحياة الفكرية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، ثم يتحدث عن مراحل الإصلاح فيبدأ بالمحاولات السياسية للإصلاح، ويخص منها دور الوزير نظام الملك، ثم مشروعات التجديد والإصلاح الفكرية والتربوية، ويستعرض منها أدوار عدد غير قليل من الأئمة المصلحين كالإمام أبي حامد الغزالي، وعبد القادر الكيلاني وعدي بن مسافر، ورسلان الجعبري وعثمان بن مرزوق القرشي، ويبين الآثار العامة لهذه المحاولات والمشروعات الإصلاحية، ويحلل هذه الآثار ويقوِّمها، ويخرج في النهاية بقوانين وسنن تاريخية مع بيان تطبيقاتها المعاصرة في الأمة. وقد أفاد الكتاب من دراسات سابقة قسمها إلى قسمين: قسم في التاريخ الحافز ولكنه يتناول القضية من الطابع الفردي ككتاب "نور الدين محمود" للدكتور حسين مؤنس، وقسم في فلسفة التاريخ المؤصلة بقوانين السلوك والاجتماع ككتاب "الحركة الصليبية صفحة مشرقة في تاريخ الجهاد العربي في العصور الوسطى" للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور.