يقوم المفكر الإسلامي الكبير الداعية محمد العبدة في كتابه هذا بدراسة لحلقة من ثورات الطالبيين على بني أمية وبني العباس يريدون الإصلاح أو يطالبون بحقهم كما يظنون، وهي حركة محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الذي قام في المدينة، وأخيه إبراهيم بن عبد الله الذي خرج من البصرة، كلاهما على الخليفة الثاني من خلفاء الدولة العباسية أبي جعفر المنصور.وقد تضمنت المقدمة هدف المؤلف من بحثه هذا في ضوء السنن التي قررها كتاب الله واعتبارا بسير الأولين، وقد أكد على أن دراسة تاريخ المسلمين دراسة تفصيلية واعية كفيلة برسم الطريق للمسلمين في العصر الحاضر. وكذلك حقيقة أن الخطر الداخلي الذي ينخر في جسم الدولة الإسلامية المتعاقبة أشد من الخطر الخارجي. وبعد المقدمة تحدث الكاتب في الفصل الأول عن حركات لم يستفد منها سبقت هذه الحركة ضد الدولة الأموية، وتشمل حركة الحسين بن علي، وحركة أهل المدينة وموقعة الحرة، وحركة عبد الرحمن بن الأشعث، وحركة زيد بن علي بن الحسين، وأخيرا حركة العباسيين أنفسهم. وفي الفصل الثاني يتحدث عن حركة محمد النفس الزكية في المدينة، حيث يصف شخصية قائد الحركة، واستدراج المنصور له، ويصف المعركة غير المتكافئة، ثم وضع المدينة بعد الحركة. وفي الفصل الثالث تكلم على حركة أخيه إبراهيم في البصرة، فذكر تأييد العلماء - ومنهم أبو حنيفة - لإبراهيم، وضعف خبرته العسكرية. ثم ختم بخاتمة عن أسباب الفشل وتقويم الحركة.والدراسة كما عنونها المؤلف "كيف نستفيد من أخطاء الماضي؟" هدفها الاستفادة من التاريخ الإسلامي بعين البصيرة لا بعين التقليد والتبرير، فهي ليست دراسة من الناحية الشرعية بمعنى السؤال الذي يطرحه العلماء: هل يجوز الخروج على أئمة الجور أم لا؟ بل إنما القصد دراستها للاستفادة منها في حياتنا المعاصرة عند دراسة أسباب نجاح حركة أو فشلها، كجزء من الحديث عن سنة من السنن وهي: سنة التدافع بين الحق والباطل، ثم لماذا تنتقل الدعوات أو الحركات الناجحة إلى أيدي النفعيين كما يحدث كثيرا.وقد تميز الأسلوب بالسرد التاريخي القصصي الممتع، المؤيد بالعزو إلى المصادر التاريخية المعتمدة. كما أن تحليل الكاتب قد تطرق إلى أسباب وعوامل هامة في فقه الثورات وطبائع الشعوب، حيث عرج على مختلف الجوانب الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة أيضا إلى شخصيات القادة الفاعلين في الأحداث، حتى تتكامل الصورة التي أراد أن يرسمها للقارئ حول هذه الثورة بخاصة ونظائرها من الحركات بعامة.