هذا الكتاب فريد بين كتب الإعجاز، أسلوبه أدبي في الذروة وفكرته غاية في الروعة. أصله فصل للمؤلف في كتاب له كبير من جزأين اسمه "تاريخ آداب العرب". يعد هذا الكتاب الذي أفرده واسطة العقد في القرن الرابع عشر الهجري بين فترة ركود قبله في التأليف في باب إعجاز القرآن وبين ما جاء بعده. وقد استفاد الرافعي من المتقدمين ولكن دون الإشارة إليهم، ثم إنه جدد وأتى بما لم يُسبق به؛ إذ وسَّع مفهوم الإعجاز بعد أن حصره بعض المتقدمين في اللغة فقط أو في الإشارات الغيبية فحسب، على أنه في كتابه هذا اقتصر على إعجاز القرآن من الوجهة البيانية. وتمتاز عبارات الرافعي في كتابه بقوة السبك والبيان إضافة إلى عمق الفكرة. وقد تأثر بهذا الكتاب كثير من الدارسين والمفسرين ممن جاء بعده كعبد الله دراز في كتابه "النبأ العظيم" وسيد قطب في كتابه "التصوير الفني في القرآن" وعائشة بنت الشاطئ في كتابها "التفسير البياني للقرآن الكريم". ومنهج الكاتب في الكتاب تنظيري لأنه كان ينوي تأليف كتاب آخر في التطبيق، غير أنه أورد أمثلة بيانية مهمة في مبحث أسلوب القرآن. وقد مهد المؤلف لموضوع الإعجاز بتمهيد لابد منه عن تاريخ جمع القرآن وتدوينه والقراءة وطرق الأداء والقراء ولغة القرآن والجنسية العربية في القرآن وآداب القرآن وأثره في العلوم. ثم إن المؤلف بعد التمهيد تناول أولا موضوع الإعجاز في القرآن من حيث معناه وأنواعه وأقوال القدماء فيه، ثم تناول دراسة أسلوب القرآن وسبيل نظم القرآن وإعجازه سواء في الحروف وأصواتها، أو الكلمات وحروفها، أو الجمل وكلماتها، أو الأوضاع التركيبية المختلفة. ثم إنه تناول ثانيا موضوع البلاغة النبوية فتحدث عن فصاحة النبي وصفته وإحكام منطقه واجتماع كلامه وقلته ونفي الشعر عنه وتأثيره في اللغة ونسق البلاغة النبوية ودعائمها من حيث ما سماه بالخلوص والقصد والاستيفاء. ثم إنه عرض أخيرا أمثلة من البيان بين إعجاز القرآن والبلاغة النبوية. وكان لابد أن يخدم هذا الكتاب خدمة علمية فنية في الفهرسة والعناوين الجانبية للفقرات لطول المباحث وتوالي أفكارها وكثرتها وتنوعها مما يحتاج معه إلى الإشارة لمضامينها.