هذا الكتاب القيم هو موسوعة في إعراب القرآن الكريم كاملا، ألفه الأستاذ الأديب محيي الدين الدرويش الحمصي. وهذا الكتاب يعد من أوائل الكتب التي جمعت إعراب القرآن الكريم، كما ألفه الأستاذ ليكون مرجعا في إعراب القرآن يرجع إليه الباحثون والطلاب، وقد جعله بعدد أجزاء القرآن مقسمة على عشر مجلدات ورتبه على نفس ترتيب المصحف الشريف. ويبدأ فيه بعد المقدمة بالاستعاذة وينتهي إلى سورة الناس في المجلد الأخير. وأسلوبه واضح ومتسلسل ومرتب، فيبدأ بتعريف اللفظة في اللغة ويوضح نبذة عنها، ويذكر اختلاف علماء اللغة والنحو، ثم يذكر الرأي الراجح، ثم يشرع في إعرابها، وكذلك يذكر المذاهب المختلفة في إعراب الكلمة ويبين أوجه الإعراب كلها. كما يضيف في أغلب الآيات فوائد بلاغية، كالإيجاز والإطناب والالتفات وغيرها من فنون البلاغة، ويذكر الفوائد الصرفية كذلك، بالإضافة إلى بعض الفوائد المتفرقة المتعلقة بالآية من حيث النطق والشكل والفصل وغير ذلك. كما يذكر في كل سورة عند البداية هل هي مكية أو مدنية، وعدد آياته. كما يستشهد بالأشعار العربية والأدلة الموثوقة في إعرابه، وينقل عن كبار أئمة النحو وغيرهم ممن كان لهم فضل إعراب القرآن الكريم قبله. ويعتبر هذا الكتاب من أشمل وأوسع كتب أعاريب القرآن في العصر الحديث، الذي هو بأمس الحاجة إلى مكتبة قرآنية جامعة، فقد ضم اللغة، والتفسير، والإعراب، والبلاغة، وشذورا من الملامح التاريخية، وأسباب النزول، وغيرها. وقد رجع المصنف إلى العديد من المراجع في كتابه؛ ففي التفسير: اعتمد من التفاسير أوثقها، كجامع البيان للإمام الطبري، والمحرر الوجيز لابن عطية، والكشاف للزمخشري، والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، والدر المصون... وغيرها. وهو يورد آراء المفسرين ويناقشها، فيستحسن ويوجه، ويستدرك، ويوجز ذلك بكلام مختصر قريب من الفهم. وفي النحو: نجده يسجل آراء أئمة النحو كسيبويه، والفراء، والكسائي، والزمخشري من مظان هذه الآراء، وخاصة كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" للإمام ابن هشام، و"الكشاف" للزمخشري، و"التبيان" للعكبري". ويتميز الكتاب باختيار مؤلفه لما هو أكثر ملاءمة للمنطق والذوق من تراكيب العربية، وتوجيهها نحو ما يتفق مع معاني الآية القرآنية، والعناية بأصح التوجيهات والتقديرات، ومن هنا نرى المؤلف يرد على ما يراه مجرد تكلف، ومجرد صناعة لا تمت إلى نحو القرآن بسبيل. كما اعتمد تلخيص ما كان يراه مفيدا نافعا من آراء المعربين، والمفسرين، والفقهاء، والتي شغلت منهم وقتا وطويلا، وجهدا واسعا.. جاءت عنده بإلماح سريع لعله يفي بالغرض، ويحقق المطلوب. على أنه ربما استدعى فحوى بعض المسائل النحوية، والبلاغية، والصرفية مزيدا من البسط والتدليل على فهمها وتوضيحها، فكان المؤلف حريصا على الإسهاب فيها، ومشدودا إلى البسط الذي يحتاج فهمه إلى رهافة ذوق، وشفوف طبع، وربما أطال في مسألة نحوية، أو مبحث صرفي أو حديث عن أسرار الحروف، أو توضيح لما خفي من بيان إعراب الجمل، ومزايا الأفعال في العربية. وكانت هذه الإطالة لأغراض مهمة، ولدواع أملتها عليه ظروف الحديث عن الآية القرآنية، كأن يجد النحاة قد اضطرب كلامهم فيها اضطرابا شديدا، أو أن يجد أن بعض المراجع الحديثة قد خلط في بيان مسألة لغوية، فأضاع بذلك الطالب والمراجع في متاهات لا منافذ لها، أو أن يشعر أن هذه الفائدة اللغوية أو البلاغية من أسرار القرآن الكريم، فهي من الدقة والحسن بمكان يستحق البسط، والإطناب. ومما يتصل بعنايته اللغوية أيضا: تخصيصه فوائد نحوية، ولغوية، وبلاغية بأبحاث مستقلة، انطلاقا من الآية القرآنية، وتوجيه قواعد النحو والتصريف الصحيحة منها، ويورد بعض الشروح اللغوية، مظهرا براعته في تفصيلها، وفي إبداع بعض الآراء التي فاتت من سبقه، كما يذكر الكثير من أسرار الإعراب، وتذوق معنى القرآن، مما أغفل كثيرا منه المعربون القدامى، وكثير من المحدثين. وكانت للمؤلف عناية كبرى بذكر القراءات القرآنية، واعتمادها حجة وشاهدا على مسائل اللغة والنحو، فقد أبرز إعراب القراءة، وتوجيهها، وأقوال النحاة فيها، وقد درج على عدم الإشارة إلى قراءة ما إلا إذا كانت تنطوي على بحث مهم. كما تعرض المؤلف لإعراب الصعب والمشكل من الأحاديث النبوية التي كان يسوقها في شرح الآية القرآنية. ولم يخل الكتاب من الحديث عن آيات الأحكام، وقد كان كتاب "شرح المنهاج" لابن حجر عمدة المؤلف في بيان أحكام الفقهاء في التشريع، وبيان آراء العلماء في العقيدة، والفقه، والمعاملات، ونحوها. وقد صف الكتاب من جديد بعناية تليق بمكانته، بعد أن حظي برعاية العلماء وطلابهم، لاحتوائه على الدر الثمين وكشفه عن إعراب القرآن وبلاغته وأسراره، كما طبع طبعة أخرى ضمت المجلدات العشر في مجلد واحد يحتوي 5503 صفحة، من تحقيق يوسف علي البدوي، ونشرتها كل من دار اليمامة ودار ابن كثير، تدارك فيها المحقق بعض أخطاء النسخ المطبوعة وصححها واعتنى بها بإضافة بعض المراجع والتخاريج.