لقد هدف المؤلف - وهو المفكر الإسلامي والأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - من بحثه المختصر هذا أن يضع لبنة في بناء توضيح دعوة الإسلام وانتشارها بين الأمم التي أظلتها راية الإسلام في الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين، وتوضيح الصلة الوثيقة بين الدعوة والتاريخ الإسلامي، حيث إن تاريخ الإسلام هو تاريخ هذه الدعوة بالدرجة الأولى.وقد استهل المؤلف بحثه بمدخل تحدث فيه عن مكانة الخلفاء الراشدين وعصرهم، ثم عرض موضوعات كتابه تحت عناوين متعاقبة: عالمية الدعوة الإسلامية، الجهاد من وسائل تبليغ الدعوة ونشرها، الرسول صلى الله عليه وسلم وضع خطة الفتوحات لنشر الإسلام، المبشرات من عوامل القوة النفسية التي سهلت الفتح، جند الإسلام وقادتهم دعاة، تطبيق مباديء الحرب في الإسلام، الغنائم نتيجة وليست سبباً في الفتوحات، من عوامل إقبال أهل البلاد المفتوحة على اعتناق الدعوة، معاملة أهالي البلاد المفتوحة وفق أحكام الإِسلام، حرية التدين لأهل الذمة في ظل الحكم الإِسلامي.والبحث - كما يظهر من هذه عناوين أبوابه - مفعم بالروح الإسلامية الصافية لدى المؤلف، وهو يستعرض ومضات مشرقة من تاريخ الدعوة الإسلامية في الصدر الأول وعصر الخلافة الراشدة، حيث يبين أهم المبادئ النبيلة التي قامت عليها هذه الفتوحات، التي فتحت القلوب قبل أن تفتح البلدان والأراضي، وكانت تاريخ دعوة وجهاد، والتي عجزت عقول المستشرقين السقيمة وعقول أتباعهم من العرب عن فهم بواعثها ودوافعها، فطفقوا يفترون على الأصحاب الكرام ويلصقون بهم الدوافع الأرضية المنحطة التي لا يعرف هؤلاء سواها، ويتعسفون في سبيل ذلك النصوص ويتكلفون التأويل.وبالرغم من صغر حجم الكتاب وعدم خوضه في الفتوحات، على خلاف ما قد يتوقعه القارئ من العنوان، فإنه قد تضمن أهم المبادئ والقواعد التي قامت عليها تلك الفتوحات، ورد دعاوى المناوئين. وقد عزا الكاتب إلى خمسة عشر مرجعا، سبعة منها لكتاب غربيين وهم أرنولد توماس، ألفرد بل، بتلر، برنارد لويس، كارل بروكلمان، هاملتون جب، وهو ما تميز به الكتاب. ويتميز الأسلوب بالسلاسة وسهولة العبارة، ويعوز الكتاب التحقيق العلمي فيما يخص الروايات القليلة التي أوردها في معرض الاستدلال.