متن كشف الشبهات هو ضمن سلسلة رسائل قصيرة وضعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الإمام المجدد الذي نشر دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، وتتضمن هذه الرسائل كتاب التوحيد، ثلاثة الأصول، القواعد الأربع، أصول الإيمان، كشف الشبهات.. ومتن كشف الشبهات متن جليل القدر، قصد به الشيخ رحمه الله تقرير التوحيد الذي بعث الله به رسله أولا، وهو الذي يكون به الإنسان مسلما، ثم بين فيه أيضا الشرك الذي نهى الله عنه وأخبر أنه لا يغفره إلا بالتوبة، وهو صرف العبادة لغير الله تعالى، سواء كان ملكا أو نبيا أو وليا أو شجرة أو حجرا أو طاغوتا، وبين رحمه الله أن هذا هو شرك الأولين الين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولمزيد التقرير رد على الشبهات التي يتعلق بها كثير من القبوريين وأهل البدع. والشيخ قد ضمن هذه الرسالة بضع عشرة شبهة من شبهات المشركين القبوريين الواهية التي يتعلقون بها ويحتجون، لكنها حجج مدحوضة باطلة، فكانت الحاجة إلى كشفها وإيضاح بطلانها وبطلان دلالتها على ما أراد المتوهم لها والمتمسك بها، وهو من أشهر ردود الشيخ على معارضيه.وقد بين الشيخ أن هؤلاء المشركين منتسبون للإسلام ولكنهم لم يفهموا معنى "لا إله إلا الله" وما تقتضيه، فلهذا وقعوا فيما ينقضها ويناقضها تماما. والرسالة في موضوعها تمثل خلاصة متميزة جدا، وتشبه رسالة "التدمرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، فهي "أي الكشف" تمثل خلاصة ومناقشات وقواعد الإمام محمد بن عبد الوهاب وجواب شبهات المخالفين في باب التوحيد وما يضاده من الشرك، فقد حوى تقريبا كل ما قاله واحتج به دعاة الشرك في الأولياء والأضرحة والقبور وغيرها قديما وحديثا وناقشها واحدة واحدة بأسلوب قوي متين يقطع دابر الشبهة من أساسها لمن رزقه الله فهما سليما وعقلا صحيحا وتجرد عن اتباع الهوى والتقليد الأعمى.وهذه الرسالة المباركة نموذج من جهود أعلام الأمة في تفنيد شبهات أهل الباطل وهداية الأمة إلى الحق، لأن ذكر الشبهات من دون رد يجعل الباطل يلتبس بالحق، وهذا من أسباب خفاء الحق وضلال كثير من الخلق، وذلك أنهم يستدلون ببعض نصوص من الكتاب والسنة على الباطل ويضعونها في غير موضعها ويزينون باطلهم بما هو من زخرف القول، حتى يكون لبعض شبههم رواج، ويظن من لا بصيرة له أنها حق فيقف معها، لكنها عند البحث والتمحيص وعرضها على النصوص المحكمة من الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح، يتبين أنها زخرف وخداع وأنها حجج داحضة عند أهل العلم والإيمان وأولي البصائر.وأسلوب الرسالة أسلوب جدلي، وجمله طويلة نوعا ما إذا ما قورنت بكتابات مؤلف الأخرى، ويكثر في هذه الجمل استعمال أدوات الشرط، وفي بعض الأحيان توجد أفعال شرط متعددة معطوفة على فعل الشرط الأول قبل ذكر جوابه. ويمتاز المتن بقوة العبارة ووضوحها، وإيراد الأدلة من القرآن والسنة الصحيحة، وبيان عقيدة أهل السنة بغير إفراط أو تفريط. وقد خلا المتن من تعقيدات متون الاعتقاد عند المتكلمين، وجفاف متون أخر عند أهل السنة.ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عموما تمتاز بالاختصار وجريانها على نمط متون المتقدمين المحققة، وتقريرها عقيدة أهل السنة اتباعا لأئمة السنة مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، والأئمة المجددين من بعدهم ابن تيمية وابن القيم، والشيخ حنبلي المذهب إلا أنه لم يتقيد به إذا ترجح له الدليل، فضلا عن اتباعه أهل السنة في أصول الدين بلا تعصب لإمام.وقد أكد الشيخ في كتاباته ودعوته على ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنة، وعدم قبول أي أمر في العقيدة ما لم يستند إلى دليل مباشر، واعتماد منهج أهل السنة والجماعة في فهم الدليل والبناء عليه، ودعا إلى تنقية مفهوم التوحيد، مطالبا المسلمين بالرجوع به إلى ما كان عليه المسلمون في الصدر الأول للإسلام. فعملت دعوة الإمام المجدد رحمه الله على إيقاظ الأمة الإسلامية فكريا بعد أن عانت زمنا طويلا من التخلف والخمول، والتقليد الأعمى. كما اعتنى بتعليم العامة، وتفتيح أذهان المثقفين منهم، ولفت أنظارهم إلى البحث والدليل، ودعوتهم إلى التنقيب في بطون أمهات الكتب والمراجع قبل قول أية فكرة، فضلا عن تطبيقها. فكان رحمه الله فارس الميدان في تصحيح ما وقع من خلل في اعتقاد الناس في الأزمنة المتأخرة، بأقصر العبارات، وأوضح الاستدلالات، فأسلوب ابن عبد الوهاب في أغلب رسائله يعتمد على المباشرة في الخطاب، وقلة مباني الخطاب بشكل لا يخل بالمقصود، ومراعاة حال المخاطب، وكان أغلبهم عوام، وجهالا، أو متلبسين بشرك زينه لهم عباد جهال، أو علماء سوء وفتنة. ولهذا تميزت كتاباته بشدة تعلقها بقضايا الواقع والشبهات المثارة فيه، لأن غايته رحمه الله كانت تصحيح تلك الانحرافات وإحياء عقيدة أهل السنة في بلده، والدعوة إلى التوحيد بصفائه. وكتابات الشيخ، بالرغم من أن لغتها العربية متأثرة بلهجة أهل نجد، إلا أنها واضحة مستقيمة، وتمتاز عن كتابات أبنائه وأحفاده - المتنوعة والمتباينة أحيانا - بالضبط والجزالة، وتصطبغ بصبغة الشيخ التي تجمع بين الدعوة للحق والرحمة بالخلق.