لباب التأويل في معاني التنزيل، هو أحد أهم الكتب في تفسير القرآن الكريم، ألفه الشيخ علي بن محمد بن إبراهيم الشيحي المعروف بالخازن، المتوفى 741هـ، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى، 1415 هـ. وهو بمثابة تهذيب لتفسير الإمام البغوي، فقد انتخبه المؤلف من التفسير المذكور، وضم إليه العديد من الفوائد المنتقاة من كتب تفاسير أخرى، منبها على حذف أسانيده، وبين أنه عوض حذف تلك الأسانيد بشرح غريب الحديث وما يتعلَّق به. وبهامش هذا التفسير تفسير الإمام النسفي، المسمى مدارك التنزيل وحقائق التأويل. وقد ذكر ذلك موضحا في مقدمة كتابه فقال: ولم أجعل لنفسي تصرفا سوى النقل والانتخاب. ابتعد فيه عن التطويل، وحذف منه الأسانيد، أورد فيه التفسير الإفرادي والإجمالي واللغوي، وفضائل السور، وأسباب النزول، معتمدا في ذلك غالبا على الأحاديث النبوية والآثار الصحيحة مع تخريج الأحاديث والآثار، إضافة إلى الشواهد الشعرية العربية. كما يتميز الكتاب عن باقي التفاسير بعدد من المزايا ذكرت في كتاب (تفسير الخازن والإسرائيليات)، فيعد هذا الكتاب ذا قيمة علمية في تفسير القرآن الكريم بالمأثور لكثرة ما احتواه منه. يقوم منهج الخازن في التفسير على عرض الآية ثم تفسيرها، وإلحاق ما يمكن أن يحلق به من مرويات وآثار عنها، وهو يعقد فصولا للأمور ذات الأهمية، ولما تتفرد به بعض الآيات من فوائد. ولا يكرر تفسير النظائر من الآيات والمتشابهات منها، إنما يحيلها إلى الآية التي سبق تفسيرها. ويتميز تفسير الخازن باهتمامه بالأمور العقدية، ومنها عصمة الأنبياء عليهم السلام: ومن ذلك إزالة الشبهة التي أوردها البعض في الآية: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، فاستدل بهذه الآية من يرى صدور الذنب من الأنبياء، فأجاب الخازن بأن هذا ليس شرطا، بل تحمل على المبالغة والتعظيم والتوقير... إلخ. وأيضا اهتم في كتابه بالنواحي والأحكام الفقهية في الكثير من المواضع، وكان يقتصر في ذكر مصدر الحديث على الحروف، مثل استعماله حرف (خ) للدلالة على صحيح البخاري، وحرف (م) للدلالة على صحيح مسلم، وحرف (ق) للدلالة أن هذا الحديث متفق عليه. وأخيرا كان الخازن يشرح الأحاديث عندما يوردها، ويبين ما أشكل فيها، والغريب منها. وتتكون مقدمة الكتاب من ثلاثة فصول، أولها (في فضل القرآن وتلاوته وتعليمه)، ثم فصل في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، ومن أوتي القرآن فنسيه ولم يتعهده. وأخيرا فصل في جمع القرآن وترتيب نزوله وفي كونه نزل على سبعة أحرف. ثم بعدها فصل في كون القرآن نزل على سبعة أحرف وما قيل في ذلك، ثم فصل في معنى التفسير والتأويل، ثم يبدأ تفسيره من سورة الفاتحة إلى سورة الناس على المنهج المذكور. كما اهتم الخازن بالعقيدة وإظهار مذهب أهل السنة على غيره، وأكثر ما يظهر ذلك في نفي ما يسيء للأنبياء فيما ورد في القصص الإسرائيلية، وتنزيهه إياهم عن كل ما يخالف عصمتهم، مثل الذنوب الكبيرة، مما ورد في إسرائيليات قصص بعضهم مثل قصة لوط ونوح ويوسف عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. كما كان يرد في تفسيره على الفرق المختلفة مثل الرافضة والخوارج والمعتزلة والمرجئة، ويدحض شبهاتهم، وأيضا إثبات صفات الله كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعيدا عن الفرق كالمعتزلة. ومما تميز به الكتاب أيضا، أنه يكثر في الكتاب التفسير بالرواية، فلا تكاد تخلو صفحة من كتابه من حديث عن رسول الله أو الصحابة أو التابعين. ثم إن قيام كتابه أساسا على كتاب تفسير البغوي رحمه الله، مما يجعل لكتابه قيمة كبيرة في علم التفسير لمكانة تفسير البغوي، وأيضا الاهتمام بذكر أسباب النزول، خصوصا أسباب نزول السورة ككل، ودحض الكثير من الإسرائيليات وتفنيدها؛ فيذكر القصة، ويذكر نقاط الفساد فيها، فيبينها للقارئ غير العالم، واعتمد أيضا على كتب التفسير الأساسية، كما استعان بكتابات أبرز علماء التفسير والحديث والفقهاء واللغة، كمجاهد والثوري والزهري وابن المبارك وابن عيينة وابن الجوزي. وأورد أيضا كثيرا من الأحكام الفقهية في التفسير، فيعد الكتاب نافعا جدا في استيعاب وتدبر الآيات التي تنطوي على بعض الأحكام الفقهية. كما أنه في الأمور الخلافية يظهر في الكتاب الترجيح أو التصحيح أو الجمع لخلافات كثيرة، وذلك لكونه تفسيرا يطغى عليه المأثور. كما حوى التفسير بعض التحقيقات القيمة، ومنها دفع توهم عزل أبي بكر بإرسال علي ببراءة. وتوضيح المقصد من قول الله عز وجل: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، وتحقيق حول مكانة نبينا على الأنبياء عند قوله تعالى: {فبهداهم اقتده}. ومن أهم ما تميز به الكتاب أيضا، تصحيحه أخطاء بعض المفسرين، مع تبيانه للحق في كل منها، كما في قصة فرعون عند الزمخشري عندما فلق البحر وتبعوا موسى عليه السلام، ودس جبريل عليه السلام الطين في فمه. ويتميز تفسيره أيضا بعنايته بتزكية الأخلاق والنفس ورفع الهمم والزهد في الدنيا والقرب من الله والآخرة. وأبرز ما يؤخذ على الكاتب، إكثاره جدا من رواية الإسرائيليات التي لا يكاد يسلم كثير منه أمام ميزان العلم الصحيح والعقل السليم، وعدم احتواء كتابه على تخريج الروايات والآثار، مما يظهر الحاجة إلى تغييرها.