هذا الكتاب هو من أوائل الكتب التي ألفها الأستاذ محمد قطب، المفكر الإسلامي العملاق ذو الأثر البارز في الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية المعاصرين، لكنه نشر متأخرا عن تلك الكتب وأهمها "واقعنا المعاصر". والباعث على كتابة هذا الكتاب هو وقوع التحريف في كثير من المفاهيم السليمة التي جاء بها الكتاب والسنة، وفهِمها الصحابة أحسن الفهم وأفضله؛ تلك المفاهيم التي بنَت الأمة وأخرجت ذلك الجيل الفريد الذي نشر الإسلام وبلّغه وهَدى الناس ـ بفضل ربه ـ إلى عبادة رب العباد. وقد طرأت المفاهيم الخاطئة على عقل المسلم المعاصر شيئا فشيئا فأصابت مختلف جوانب العقيدة الإسلامية. يتناول الأستاذ في هذا الكتاب خمسة مفاهيم تم تحريفها وفهمها بطريقة خاطئة عبر القرون: مفهوم لا إله إلا الله، مفهوم العبادة، مفهوم القضاء والقدر، مفهوم الدنيا والآخرة، مفهوم الحضارة وعمارة الأرض. ويقدم الكاتب لهذه المفاهيم بمقدمة هامة يسلط فيها الضوء على أسوأ مرحلة من التاريخ تمر بها الأمة من ذل وهوان وضياع وتكالب للأمم عليها، ويبين أن ما يحدث ليس اعتباطا إنما يجري بحسب سنة الله التي لا تتخلف ولا تحابي أحدا من الخلق، حتى بات الإسلام يعاني تلك الغربة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويبين أنه حين تصحح المفاهيم، وتعود لها في نفوس المسلمين صورتها الحقيقية الحية الفاعلة، فسيصبح الطريق ميسرا لتصحيح كل ما أصاب المسلمين من انحراف، وكل ما ترتب عليه في حياتهم من آثار. ثم يتناول الكاتب في الفصول المتعاقبة الانحراف الذي أصاب كل مفهوم، وكيفية فهم الجيل الأول لهذا المفهوم وتطبيقه على أرض الواقع. ثم يجيب في الجزء الأخير من الكتاب عن سؤال: ماذا بعد أن وصلت الأمور إلى هذه الصورة، وبعدت الأمة كل هذا البعد عن حقيقة الإسلام؟ فيتوجه إلى الدعاة والغيورين على الأمة بنصائح غالية ونفيسة وهم في طريقهم لتصحيح المفاهيم وإحياء الأمة وبعثها من جديد.وكعادة الأستاذ رحمه الله فقد أوفى في عرض كل مفهوم بأسلوب سهل ممتنع يمزج بين عرض القضايا الشرعية الكبرى بأدلتها وتقديمها للقارئ المعاصر في ثوب من البيان بديع ينفذ إلى قلب القارئ وعقله. وقد استغرق عرض المفهوم الأول قرابة نصف الكتاب، فإن مفهوم التوحيد - مفهوم "لا إله إلا الله" لمن أهم تلك المفاهيم التي تغيرت في عقل المسلم، في حين كانت الغاية من نزول القرآن وبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو تعبيد الناس لرب الناس، فلم يكتف ببيانها الحديث في القرآن المكي فحسب، وإنما استمر الحديث عنها أيضا في السور المدنية بعد استقرار العقيدة وقيام الدولة والمجتمع المسلم والتزامه بتكاليف الإسلام ومقتضياته، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله ـ ذروة سنام الإسلام ـ.. ثم تفشت جرثومة الإرجاء فصارت لا إله إلا الله كلمة تقال بلا مقتضيات.وهكذا يمضي الأستاذ رحمه الله في عرض سائر المفاهيم، كالطبيب الذي يشخص علل الأمة بدقة ثم يعرفنا بالدواء الناجع لأمراض الأمة المختلفة.