ندرج هذا الكتاب ضمن هذه الجهود المتأخرة التي أُلِّفت في علوم القرآن التي كانت وليدا جديدا ومزيجا من مصنفات متنوعة. ولقد كان السبب من تأليف الكتاب تحقيقا لرغبة طلاب المؤلف المتخصصين في الدعوة والإرشاد من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وقد استمد المؤلف مادته مما كتب علماء الإسلام قديما وحديثا في القرآن وعلومه، والتفسير ومقدماته، وعلم تاريخ التشريع، وعلوم الكلام والأصول والفلسفة والاجتماع وعلوم اللغة العربية. وتتبين أهمية الكتاب في سعة انتشاره وإقبال الناس عليه، حتى إنه قد تُرجم في حياة المؤلف إلى لغات متعددة، كما أنه يدرَّس في بعض الكليات في الأزهر وغيره. ذلك لأن فيه مباحث ومسائل هامة زائدة على البرهان للزكشي والإتقان للسيوطي، الأمر الذي جعل من الكتاب مرجعا مهما يستقي منه من جاء بعده. وقد كان أسلوب الكاتب متابعا للنسق الأزهري الجديد في تفكيره وتعبيره، ليتيسر فهم كتابه للمحقق الأزهري والمثقف المدني. فكتب كتابه في قالب يجمع بين المتانة والسلاسة. ومن ثم فقد مزج بين حاجة الأزهريين إلى البحث والتحليل، وبين رغبات جماهير القراء المعاصرين في تقريب الأسلوب، مما أدى إلى شيء من الإسهاب والتطويل. متعرضا لشبهات المغرضين الطاعنين أعداء الإسلام، ومجتزءا في كل مبحث ببعض الأمثلة من القرآن الكريم ليتضح المعنى والمبنى، متجافيا على الإطالة وكثرة الأمثال، على حين أن الناظر يكفيه الإيضاح بقليل من التمثيل. هذا وقد صاغ المؤلف رحمه الله كتابه بعبارة أدبية جيدة، يتخللها في أحيان كثيرة حِكَم رقيقة وأمثال بليغة، مع العلم بأن هذه السلاسة قد يعكر صفوها بعض الأساليب المنطقية أحيانا. ولكن أسلوبه بشكل عام يبعث الهمم على العمل الدائب لنصرة هذا الدين مع الاعتزاز به والانقياد لأوامره. وقد جال رحمه الله بين مباحث جمة من علوم القرآن نذكر منها الآتي: في معنى علوم القرآن وتاريخها، ونزول القرآن وأول وآخر ما نزل منه، في أسباب النزول، في نزول القرآن على سبعة أحرف، في المكي والمدني، في جمع القرآن وما يتعلق به، في ترتيب آي القرآن وسوره، في كتابة القرآن ورسمه، في القراءات والقراء والشبهات فيها، في التفسير والمفسرين وما يتعلق بهما، في ترجمة القرآن وحكمها تفصيلا، في النسخ، في المحكم والمتشابه، في أسلوب القرآن، في إعجاز القرآن وما يتعلق به. ويمكننا تتبع المنهج الذي سار عليه المؤلف في أنه قد اختار أهم المباحث في علوم القرآن وليس كلها. ثم إنه عقد سبعة عشر مبحثا في كتابه وجعل كل مبحث منها يضم مسائل متنوعة تندرج تحته، كما وضع لكثير من المسائل والتفريعات عناوين خاصة تدل عليها، فدمج بذلك بين الموضوعات المتشابهة في مبحث واحد ولم يفرقها كما فعل غيره. وهو يعنى ببيان معنى العنوان الذي وضعه للمبحث إن كان الأمر يتطلب ذلك. ومن الملامح البارزة في هذا الكتاب أنه يذكر تحت المبحث في كثير من الأحيان فوائد معرفة أو دراسة هذا المبحث. ومن الملاحظ أنه يحاول عند أي مناسبة أن يبين طبيعة العلاقة القوية بين الإسلام والعلم، كما أنه يعمل على إبراز أسرار التشريع وحِكَمِه كلما دعا المقام إلى ذلك. ويورد المؤلف رحمه الله خلاف أهل العلم في المسألة التي هو بصددها غالبا مع عرض أدلتهم ومناقشتها، ثم يذكر القول الراجح. كما أنه يسوق بعد كل مبحث جملة من الشُّبَه المتعلقة بموضوعه، ثم يحاول الإجابة عنها. ومع محاسن ومزايا الكتاب إلا أنه قد وقع في كثير من المخالفات سواء في موضوع العقيدة أو غيره من الموضوعات؛ كتقرير مؤلفه لعقيدة الأشاعرة مع تلقيبهم بأهل السنة، إضافة إلى النيل من أهل السنة والتشنيع عليهم في بعض المواضع. كما وقع للمؤلف رحمه الله نوع من المجاراة لأصحاب التصوف في بعض عباراتهم ولحونهم، كما كان لمدرسة الأفغاني وتلميذه محمد عبده أثر بين في منهج المؤلف.