مواهب الجليل في شرح مختصر خليل
الحطاب
مواهب الجليل في شرح مختصر خليل
نبذة عن الكتاب

شرح الشيخ الحطاب في كتابه هذا مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي. وتأتي أهمية الكتاب أولا من أهمية أصله الذي يقول عنه مصنف الشرح: "من أجلِّ المختصرات على مذهب الإمام مالك، صَغُر حجمه، وكَثُر علمه، جمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعا، واختص بتبيين ما به الفتوى، وما هو الأرجح والأقوى، لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله". ولعل ما يزيد من قيمة هذا الشرح احتواؤه على مادة علمية غزيرة من صنوف العلم وضروب المعرفة، علما أن من هذه المصادر ما هو في عداد ما فقد من تراث المسلمين أو ضاع بعضه، أو أن بعضه لازال مخطوطا حبيس الخزائن العامة والخاصة، ومن ثم احتفظ الحطاب في شرحه بنصوص ثمينة منها. وإذا كان الكتاب بهذه الأهمية فلا غرابة أن يتبوأ مكانة كبيرة بين شروح المختصر الخليلي، حتى ذكر غير واحد ممن ترجم لصاحبه أنه لم يؤلَّف مثله على مختصر خليل، وأنه استدرك فيه على كبار العلماء كابن الحاجب، وابن عبد السلام، وابن عرفة وغيرهم، ولذلك كان عمدة لمن جاء بعده من شارحي المختصر مثل الشيخ عبد الباقي الزرقاني(ت١٠٩٩هـ)، والشيخ محمد بن عبد الله الخرشي(ت١١٠١هـ)، والعلامة محمد الأمير(ت١٢٣٢هـ)، والشيخ محمد بن أحمد عليش(ت١٢٩٩هـ)، وغيرهم. ويهدف المصنف كما يقول: "فاستخرت الله تعالى في شرح جميع الكتاب، والتكلم على جميع مسائله مع ذكر ما تحتاج إليه كل مسألة من تقييدات وفروع مناسبة وتتمات مفيدة، من ضبط وغيره، ومع ذكر غالب الأقوال وعزوها وتوجيهها غالبا، والتنبيه على ما في كلام الشروح التي وقفت عليها لهذا الكتاب". وقد دعاه إلى وضع هذا الشرح الجليل ما لمسه من فرط إيجاز الأصل حتى كاد يعد من جملة الألغاز، إضافة إلى عدم استيفاء شروح من تقدمه على المختصر، حيث بقيت فيه مسائل يعسُر على الطالب فهمها، وغوامض يصعب استيعابها، ولا يتم ذلك إلا بأن يتكلم الشخص على جميع المسائل كي لا يشكل على أحد مسألة إلا وجد التكلم عليها، والشفاء مما في نفسه منها. ومن ثم تكلم الحطاب على جميع مسائل المختصر، مع ذكر ما تحتاج إليه كل مسألة من تقييدات وفروع مناسبة، وتتمات مفيدة من ضبط وغيره، وذكر غالب الأقوال، وعزوها وتوجيهها، والتنبيه على ما في كلام الشروح التي وقف عليها المؤلف. استهل المؤلف كتابه بمقدمة جمة الفوائد، كثيرة المعارف والفرائد، ذكر فيها جملة من الشروح للمختصر الخليلي مع نقده لكل واحد منها، وما نابه من خلل أو نقص، وهو أحد أسباب وضعه لهذا الشرح، ثم بعد ذلك ذكر سنده الفقهي والحديثي إلى الإمام مالك ثم إلى النبي، وإلى بعض كتب أعلام المالكية ابتداء من الموطأ والمدونة، مرورا بكتب ابن أبي زيد القيرواني، وابن أبي زمنين واللخمي وابن يونس، وغيرهم، وصولا إلى عصره، مما يمكن اعتباره فهرسة لمروياته. وبعد هذه المقدمة شرع في شرح المختصر، فبدأه بمقدمة خليل التي ذكر فيها اصطلاحاته في كتابه ورموزه لبعض من ينقل عنهم، لينتقل بعد ذلك إلى صلب المختصر كتابا كتابا وبابا بابا حسب ترتيب مؤلفه فيه: الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والاعتكاف والحج والأيمان والجهاد وخصائص النبي والنكاح والخلع والطلاق والإيلاء والظهار واللعان والعدة والبيوع والسلم والقرض والرهن والدَّيْن والشفعة والإجارة واللقطة والشهادة والحدود والمكاتب والوصية والفرائض. ويتسم أسلوب الكتاب بعدة خصائص؛ منها عنايته الفائقة بضبط الألفاظ والكلمات وشرحها لغويا واصطلاحيا وشرعيا حتى لا يقع أي لبس في قراءتها أو فهمها، ويرجع في كل فن إلى أهله، مما يجعل الكتاب مصدرا مهما للتعريف بالمصطلحات الشرعية، ومن مميزاته أيضا التوسع في الشرح ومحاولة استيعاب الأقوال في المسألة من داخل المذهب وخارجه، وحصل له هذا في أوائل الكتاب، خصوصا في كتاب الطهارة والصلاة والحج، ثم بعد ذلك لم يعد يستوعب على طريقته في بداية الكتاب ربما أدركه الملل أو حسب ما تقتضيه طبيعة الكتب الفقهية. ومن سماته أيضا الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والترجيح بين الأقوال المختلفة حسب ما توصل نظره إليه، واطمأنت نفسه إليه، وإن بقي للموضوع جوانب أخرى متصلة به بحثها على شكل فوائد أو تنبيهات أو تفريعات، وذلك بنفْس النّفَس الذي ناقش به المسائل الأصلية في الكتاب، وفي قالب لغوي فقهي يتسم بالوضوح والدقة في التعبير. ويمكن تصنيف مصادر الحطاب في مواهب الجليل حسب العلوم التالية: كتب اللغة، كتب مصطلح الحديث، كتب التفسير، كتب الأصول، شروح الحديث، كتب العقيدة وعلم الكلام، الكتب الفقهية؛ المالكية بالخصوص مع الرجوع أحيانا إلى كتب المذاهب الأخرى. ومن أوجه العناية بهذا الكتاب تصدي علامة فاس محمد بن أحمد ميارة الفاسي (ت١٠٧٢هـ) لاختصاره في كتابه "زبدة الأوطاب وشفاء العليل في اختصار شرح الحطاب لمختصر الشيخ خليل"، كما جعله السلطان العلامة سيدي محمد بن عبد الله العلوي (ت١٢٠٤هـ) من بين الكتب التي أوردها في مجموعه الفقهي المسمى "طبق الأرطاب فيما اقتطفناه من مساند الأئمة وكتب مشاهير المالكية وفقه الإمام الحطاب".