أصل هذا الكتاب رسالة قدمها الكاتب إلى كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، ونال عليها درجة الدكتوراه. وقد جعل الكاتب رسالته سفرا كبيرا بهدف أن يشرح فيه بالتفصيل تلك القضية المهمة التي ترى فيها أنَّ كل الفرق التي اختلفت عن منهج أهل السنة والجماعة في بعض الخلافات العقدية تدَّعي أنها وحدها تمثل منهج أهل السنة، وأن أصول مذهبهم تقوم على الكتاب والسنة. ولكن بالتطبيق العملي يظهر أن هناك ابتعادا كبيرا بين ما يقولون وبين ما يعتقدون ويفسرون. ففي جزئه الأول، يتناول ظهور الفرق والطوائف في أواخر عهد الصحابة وإلى عهد التابعين ومن جاء بعدهم، وبعد أن انتشر مذهب الأشاعرة في العالم الإسلامي. فقد حدث لمذهب الأشاعرة تطورات قربته كثيرا من المعتزلة والفلاسفة والمتصوفة، فكان شيخ الإسلام ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تصدوا بقوة للمذهب الأشعري. وقد اشتمل هذا الجزء على العديد من المواضيع منها: الباب الأول: ابن تيمية والأشاعرة وفيه فصول هي: الفصل الأول: يتناول حياة ابن تيمية وفيه مباحث: المبحث الأول: عصر ابن تيمية وعرض بعض القضايا والأحداث التي حفل بها هذا العصر، المبحث الثاني: في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية وتوضيح الجوانب المعهودة في التراجم. الفصل الثاني: في منهج ابن تيمية في تقريره عقيدة السلف والرد على خصومها. الفصل الثالث: عن حياة أبي حسن الأشعري وعقيدته. الفصل الرابع: نشأة الأشعرية وعقيدتهم. الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة وأشهر رجالهم. أما في جزئه الثاني، فقد تحدث عن نشأة مذهب مشهور مواكب لمذهب الأشاعرة، واشتهر كشهرتهم ألا وهو المذهب الماتريدي. ولا يبعد الماتريدي كثيرا عن أبي حسن الأشعري، فهو خصم لدود للمعتزلة. وقد خالفهم في المسائل التي اشتهروا بمخالفة أهل السنة فيها مثل مسائل الصفات، وخلق القرآن، وإنكار الرؤية، والقدرة، وتخليد أهل الكبائر في النار والشفاعة وغيرها. وقد ألف في ذلك كتبا مستقلة، ومع ذلك فالماتريدي لم ينطلق في رده عليهم من منطلق منهج السلف ـ وإنما كان متأثرا بمناهج أهل الكلام، ولذلك وافقهم في بعض الأصول الكلامية والتزم لوازمها فأدى به ذلك إلى بعض المقالات التي لا تتفق مع مذهب السلف، وإنما كان فيها قريبا من مذهب الأشعرية. وقد تميز المذهب الماتريدي بعدة مسائل منها: القول بوجوب النظر وإبطال التقليد في مسائل العقيدة، مصادر المعرفة عنده الأعيان (الحس)، والخبر، والنظر، الاستدلال على إثبات الصانع بدليل حدوث الأجسام المبني على عدم خلوها من الأعراض. في جزئه الثالث يعرض المؤلف ردود ابن تيمية المفصلة على الأشاعرة في مسائل العقيدة المتعددة. وأن شيخ الإسلام حينما يرد على المخالفين، ينقل أقوالهم بحروفها -وهذا مِن أُسُسِ منهجه وأمانته العلمية- ثم يرد عليها. وهذا المنهج يفيد كثيرا؛ لأن الردود لابد أن تكون على أقوال ثبتت نسبتها إلى قائلها، وأن تكون هذه الأقوال قد فهمت فهما سليما كما قصدها أصحابها، ولا تكون دخلها التحريف. وقد اشتمل هذا الجزء على العديد من المواضيع منها: الباب الأول: ابن تيمية والأشاعرة وفيه فصول: الفصل الأول: حياة ابن تيمية. الفصل الثاني: منهج ابن تيمية في تقرير عقيدة السلف وفي رده على الخصوم. الفصل الثالث: أبو الحسن الأشعري. الفصل الرابع: نشأة الأشعرية وعقيدتهم. الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة وأشهر رجالهم إلى عصر ابن تيمية، الباب الثاني: موقف ابن تيمية من الأشاعرة وفيه فصول: الفصل الأول: منهجه العام في الرد على الأشاعرة. الفصل الثاني: منهجه العام في الرد على الأشاعرة. الفصل الثالث: موقفه من الرد عليهم تفصيلا. وقد ختم الكاتب بحثه القيم بعدد من النتائج التي وصل لها، ومنها أن مذهب السلف يقوم على أسس وقواعد ثابتة عمادها الكتاب والسنة والإجماع. وأن عصر شيخ الإسلام كان عصرا مليئا بالأحداث الجسام ولكن الشيخ كان فيه عَلَما بارزا وإماما عظيما وكان له أثر واضح في تلك الأحداث السياسية منها والعلمي. ظهر الشيخ في مواجهة عدة فرق منحرفة في آن واحد مثل الباطنية والرافضة والصوفية والمعتزلة والأشاعرة وغيرها، وظل يدافع عن منهج أهل السنة والجماعة أمامهم جميعا، وترك عشرات المجلدات للرد عليهم وتصحيح عقيدة الناس. وقد كان لشيخ الإسلام منهجه الواضح في الرد عليهم وهو اعتماده فقط على الكتاب والسنة وأقوال السلف، فلم يظهر عليه تغير ولا تبدل في أفكاره، ولم تتغير قناعته إذ إنه كان واقفا على أصل ثابت، في حين حدث تبدل كثير لخصومه فاقتربوا من بعضهم وابتعدوا في كثير من المسائل. وقد أنصف شيخ الإسلام الأشاعرة كثيرا واعترف بما قالوه موافقا للحق، ولهذا ربما وصل لكثير من طلبة العلم أن الشيخ يثني على الأشاعرة من خلال قراءة بعض فقرات من مناقشته لرأيهم وأقوالهم، ولكنه كان من إنصافه أن قسَّم مسائلهم فما وافق الحق أثبته وأثنى عليه، وما خالف الحق رده وأعلن ذلك.