مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول
محمد التلمساني
مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول
نبذة عن الكتاب

هذا الكتاب القيم هو مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، ويليه في الطبعة التي بين أيدينا كتاب لنفس المؤلف بعنوان (مثارات الغلط في الأدلة)، وكليهما من تأليف العالم الفقيه الأصولي أبو عبد الله الشريف التلمساني، علامة المغرب في زمنه، بل هو من أكابر العلماء المجددين في المغرب، وله باع في شتى العلوم الأخرى إلى جانب الفقه وأصوله والتفسير والحديث، فقد كان بارعا في الحساب والفلك والمنطق والتاريخ والفلاحة والهندسة. وكتاب مفتاح الأصول هو من أهم كتب أصول الفقه. وقد أقدم على تأليف الكتاب بناء على طلب السلطان أبي عنان، وبغرض اكتساب القربة منه، رغم أن الإمام أبا عبد الله الشريف من صفاته عدم التودد والتقرب للحكام والملوك، ولكنه قصد بذلك على الأرجح أن يجمع بين النزول على رغبة السلطان، وتعزيز العلاقة بين أئمة الدين والحكام لخدمة العلم. وقد قسم المحقق الكتاب إلى قسمين، فالقسم الأول يحتوي على مقدمة وأبواب تمهيدية كالتعريف بالمؤلف وسيرته ومنهجيته وأسباب تأليفه، وعمله في التحقيق ومنهجيته في ذلك وغيره، أما القسم الثاني فهو قسم النص المحقق. وقد بين المؤلف أن ما يتمسك به المستدل على حكم من الأحكام في المسائل الفقهية منحصر في جنسين وهما: دليل نفسه؛ ومتضمن للدليل. أما الجنس الأول فقسمه إلى نوعين، النوع الأول أن يكون أصل بنفسه، وقسمه إلى صنفين وهما أصل نقلي وأصل عقلي؛ أما النوع الثاني فهو اللازم عن أصل، وجعله على ثلاثة أقسام: قياس طرد وقياس عكس وقياس استدلال؛ أما الجنس الثاني فقسمه إلى نوعين وهما الإجماع، وقول الصحابي، وفي جميع ذلك ضمن فصولا ومباحث. وقد سلك المؤلف في منهجيته في تأليف الكتاب منهجا مستقلا كما يظهر في تقسيمه لمحاور الكتاب، كما أنه قد وضع تعريفات اصطلاحية أصولية عديدة في مواضع متفرقة من الكتاب استقل بها عن تعريفات غيره من الأصوليين، وهذا أمر يؤكد أصالته وفقهه، ومن عنوان الكتاب نجد أن المؤلف يرسم من خلال الكتاب العلاقة بين الفروع الفقهية وأصولها، وفق كليات مضبوطة لدى المذاهب الفقهية الثلاثة غالبا: مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحيانا الإمام أحمد بن حنبل. وبرغم صغر حجم المصنف واختصاره، إلا أنه احتوى ثروة غزيرة من الفوائد. وأخيرا، فقد اتسم أسلوبه بالوضوح في العبارة والاسترسال على نسق واحد والابتعاد عن التكرار، وكثرة ذكر الأمثلة التطبيقية على المباحث التي يناقشها. إن مؤلفات التلمساني رحمه الله تعالى مع قلتها فهي فريدة في بابها مثلها مثل مؤلفات تلميذه أبي إسحاق الشاطبي، وقلَّة تأليفه مرجعها إلى أمرين اثنين، أحدهما ما كان يبثه شيخه الآبلي من أن كثرة التآليف في الفنون عائقة عن التعليم، والثاني تفرغه التام للتدريس والإقراء، الذي كان من ثماره أن تخرج عليه فحول العلماء في ذلك الزمان؛ كالشاطبي وعبد الرحمن بن خلدون وأخيه يحيى وابن قنفذ القسنطيني ولسان الدين ابن الخطيب وأبي سعيد بن لب وابن السكاك وابن زمرك الوزير، إضافة إلى ولديه عبد الله وعبد الرحمن وغيرهم. وقد كان التلمساني في هذا الكتاب - المفتاح - مجددا في الأصول من حيث المقصد والشكل والمضمون، مقارنة بالكتب التي كانت تدرس في تلمسان في ذلك الزمان والذي قبله وهي المستصفى للغزالي ومختصر ابن الحاجب والمعالم للرازي ونحوها. وقد تجلى ذلك في عدة أمور؛ منها: التمثيل للقواعد الأصولية، وهذا هو الركن الذي بني عليه الكتاب، حيث غلب التجريد والنظرية على كتب المتكلمين سواء التي كانت تدرس في تلمسان أو غيرها، فلا تكاد تجد فيها المثال الفقهي الذي يصور القضية الأصولية، ولا التفريع الذي يوضح تطبيق القاعدة أو ثمرة الخلاف فيها، حتى أن المعاصرين قد جعلوا هذا النوع من التأليف فنا خاصا لقَّبوه بعلم تخريج الفروع على الأصول، ولا شك أن الطريقة التي سار عليها التلمساني هي الطريقة المجدية الموصلة إلى غاية العلم والمفيدة في تربية ملكة الاجتهاد، وهي طريقة المتقدمين من الأصوليين كما نجده في الرسالة للشافعي وفصول الجصاص وإحكام ابن حزم وقواطع ابن السمعاني؛ ومنها: الاقتصار على المسائل المهمة، وهي المسائل المفيدة في الفقه فعلا، دون المسائل الفرضية والمسائل الكلامية وغيرها من المسائل التي أقحمها المتكلمون في أصول الفقه من غير أن يكون لها أثر مباشر فيه، وهذه الخاصية قد صارت بعد أن قررها تلميذه الشاطبي وشهرها في مقدمة كتابه الموافقات من أهم قواعد التجديد الأصولي التي يسعى إليها الباحثون في هذا الزمان؛ ومنها: الاقتصاد في الاستدلال للقواعد؛ ومنها: التحرر في التعاريف عن المناقشات المنطقية إذ يلاحظ على الكتاب استقلاله في اختيار عبارات التعاريف، ووضوح الألفاظ المستعملة فيها، والحرص على بيان المعنى دون التزام قواعد الحد المنطقي التي أصبحت حاكمة على كتب الفن عند المتأخرين، ومناقشاته العقيمة التي صارت ميزة من ميزاتها؛ ومنها: الإبداع في الترتيب؛ ومنها: نقل مذاهب الأئمة الأربعة والاستقلال في الترجيح، كما أن للتلمساني عدة اختيارات أصولية في هذا الكتاب تدل على نظره المستقل عن المذهب الفقهي المالكي وكذا المذهب العقدي الأشعري.