هذا الكتاب للأصولي الفقيه المتكلم الإمام علاء الدين شمس النظر أبي بكر السمرقندي، صاحب "تحفة الفقهاء"، وشيخ الكاساني صاحب "بدائع الصنائع"، ألفه على نحو التوسط والاختصار لمصنفه "المبسوط" في أصول الفقه، والباعث على تصنيفه في أصول الفقه أن علم أصول الفقه والأحكام فرع لعلم أصول الكلام، والفرع ما تفرع من أصله، وما لم يتفرع منه فليس من نسله، فكان من الضرورة أن يقع التصنيف في هذا الباب على اعتقاد مصنف الكتاب، وأكثر التصانيف في أصول الفقه لأهل الإعتزال المخالفين للمؤلف في الأصول، ولأهل الحديث المخالفين للمؤلف في الفروع، والاعتماد على تصانيفهم إما أن يفضي إلى الخطأ في الأصل، وإما إلى الغلط في الفرع، والتجافي عن الأمرين واجب في العقل والشرع. وهو يؤلف في الأصول على مذهب الماتريدية، الذين يصفهم بأهل السنة، فقدوته هو "الشيخ الإمام الزاهد رئيس أهل السنة أبو منصور الماتريدي السمرقندي". وموضوعات الكتاب هي موضوعات علم "أصول الفقه"، وقد رتبه المؤلف على أربعة فصول: الأول في بيان الأحكام، والثاني في بيان ما يعرف به الأحكام، والثالث في التعارض بين الأدلة، والرابع في أهلية الأحكام. ويمتاز الكتاب بما امتازت به "التحفة" من التقسيم والترتيب والاختصار غير المخل، ووضوح العبارة، وحسن عرض للأقوال المختلفة، وبيان وجه الخطأ أو الصحة في هذه الأقوال، مما ييسر على القارئ الإلمام بالموضوع في سهولة ويسر. وقد حقق الكتاب لأول مرة الدكتور محمد زكي عبد البر، وهو من حقق أيضا "تحفة الفقهاء"، واشتملت النسخة المحققة على تقديم للعلامة علي الخفيف وتقديم للمحقق، تضمنتا بيان محاسن الشريعة الإسلامية وأهمية الرجوع إليها بعدما غلبت القوانين الوضعية على البلاد الإسلامية، ووفاء الفقه الإسلامي بحاجة الأمة، وزيف دعوى جمود الفقه الإسلامي والتعصب المذهبي.والجدير بالذكر أن كلا من "ميزان الأصول" للسمرقندي و"أصول الفقه" للاماشي الحنفي الماتريدي يمثلان مدرسة حنفية مميزة، وذلك أن مؤلف هذين الكتابين من أتباع مدرسة سمرقند الحنفية، ومن أتباع المذهب الماتريدي. وقد تأثر أتباع هذه المدرسة بإمامها أبي منصور الماتريدي من جوانب كثيرة أهمها طريقة التأليف؛ وللإمام أبي منصور الماتريدي كتاب في أصول الفقه اسمه "شرائع الإسلام". والناظر في الكتابين يلاحظ بجلاء ووضوح كثرة المسائل الكلامية، وجمع الآراء الأصولية عن أئمة الحنفية وتحريرها وذكر أدلتها النقلية والعقلية، ومناقشتها بالأساليب الكلامية والحجج المنطقية، وقلة ذكر الفروع، بما يشبه طريقة المتكلمين، كما أن الإمام السمرقندي قد خالف في مسألة شرع من قبلنا، فبعد أن بين قول الحنفية بما فيهم الماتريدي بأنه حجة، فقد خالفهم وتبع في ذلك رأي بعض المتكلمين. والسمرقندي كثير النقل لآراء المتكلمين والمعتزلة وغيرهم، فيذكر آراءهم الأصولية وحججهم، كما يبين ما كان منها مبنيا على أساس خلافهم في مسائل أصول الدين، ويرجح على أساسها، وهذا جلي في الكتاب كما هو الحال في مباحث الأمر مثلا، ولا يتوقف الأمر عند ذلك أحيانا فهو يستطرد فيخوض في مسائل هي في أساسها من أصول الدين، والسبب في ذلك هو الارتباط الوثيق بين أصول الفقه وأصول الدين عند مشايخ ما وراء النهر من الحنفية إذؤتأثرت أصولهم بالعقيدة الماتردية كما بينا.