هذا الكتاب للعلامة الفقيه الأصولي النحوي ابن النجار الفتوحي الحنبلي، صاحب "منتهى الإرادات"، هو مختصر كتاب "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للقاضي علاء الدين المرداوي، الإمام الفقيه الأصولي المحدث، شيخ المذهب الحنبلي في عصره والمجتهد في تصحيحه وتنقيحه، ويعرف هذا المختصر بـ "مختصر التحرير"، ويسمى أيضا "الكوكب المنير باختصار التحرير"، وقد ذكر الفتوحي في شرح مختصره أنه اختار كتاب التحرير للمرداوي لاختصاره دون بقية كتب هذا الفن؛ لأنه جامع لأكثر أحكامه، حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه. وهذا الكتاب من أنفس متون الحنابلة الأصولية، كما أن المنتهى من أنفس متونهم الفقهية، وعده بعض الشراح من أحسن ما ألف في أصول الفقه - بل من أجمعه -، وخلاصة ما قاله الأصوليون في أصول الفقه، ويمكن للإنسان أن يحفظه عن ظهر قلب، إلا أنه يحتاج إلى عالم يبين معناه للطالب.وقد شرح المؤلف مختصره هذا في كتاب "شرح الكوكب المنير"، ويسمى "المختبر المبتكر شرح المختصر". وكتاب "التحرير" هو كتاب جليل القدر عظيم المنزلة اشتمل على أهم مسائل الأصول في المذهب الحنبلي خصوصا، والمذاهب الأربعة عموما، وذلك بأسلوب واضح ومختصر، مع النقل عن الكثير من مؤلفات الحنابلة وغيرهم، فهو جامع لمعظم أحكام المذهب، حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتمل على مذاهب الأئمة الأربعة وآرائهم وغيرهم، اجتهد مؤلفه في تحرير نقوله وتهذيب أصوله. وقد ذكر المرداوي سبب تأليفه لهذا الكتاب، ليكون مختصرا في أصول الفقه جامعا لمعظم أحكامه، حاويا لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتملا على مذاهب الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم، مع تقديم الصحيح من مذهب الإمام أحمد وأقوال أصحابه. وقد رتب المؤلف موضوعات كتابه ترتيبا منطقيا متسلسلا، جاريا على ما عليه غالب الأصوليين. كما اهتم في بداية كل باب بذكر التعريف اللغوي والاصطلاحي لما يتناوله، مع ذكر محترزات التعريف، كما أنه يرد ما لا يرتضيه من الحدود، ويورد موضوعات كل باب في فصول، ويذيل كثيرا من الفصول بفوائد وتنبيهات، وقد يقتصر على إحداها، أو لا يذكر شيئا منها، وربما أورد تنبيهات فقط أو فوائد فقط دون فصول. استمد المرداوي مادة كتابه من غالب كتب هذا الفن، وقد ذكرها في آخر كتابه، وكان أغلب استمداده من كتاب شمس الدين بن مفلح في الأصول، المعروف بأصول ابن مفلح. قال المرداوي: (وهو أصل كتابنا هذا؛ فإن غالب استمدادنا منه"، وهذا واضح لمن يطالع الكتابين؛ فقد نقل المرداوي جملا وعبارات كاملة نصا من كتاب ابن مفلح. ومن الجدير بالذكر أن ابن مفلح قد حاكى في كتابه ابن الحاجب في مختصره الشهير، المعروف بـ "مختصر منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل"، حاكاه في منهجه عرضا للمسائل، وتوثيقا للأقوال والآراء. وقد انتقلت تلك المحاكاة بالتبع إلى كتاب المرداوي "التحرير"؛ بل إن من يطالع كتاب المرداوي يدرك بجلاء أن الشبه بين المختصرين "التحرير" و"المنتهى" أقوى منه بين ابن مفلح وابن الحاجب. ومن أهم مظاهر ذلك التأثر: تصدير المسألة بالقول المختار عند المرداوي، عزو النقول والآراء إلى قائليها، الإيجاز لدرجة طي الأقوال، إحكام الصياغة مع إيفاء المعنى. كما أكثر المرداوي من النقل عن القاضي أبي يعلى، وتلميذيه أبي الخطاب، وابن عقيل، وكذلك عن مجد الدين بن تيمية، وحفيده تقي الدين ابن تيمية، الملقب بشيخ الإسلام، ويطلق عليه المرداوي "الشيخ"، ونقل أيضا عن الحلواني، وابن حمدان، وابن قاضي الجبل، وغيرهم من أصوليي الحنابلة. بالإضافة إلى أعلام الأصوليين من غير الحنابلة، كإمام الحرمين، والغزالي، والرازي، والآمدي، وابن الحاجب، وغيرهم.والكتاب مرحلة هامة لطالب علم الأصول، إذ يوصون الطالب بالتدرج فيبتدئ بشرح الفوزان على الورقات أو شرح ابن عثيمين على نظم الورقات، ثم شرح قواعد الأصول للفوزان، ثم شرح الطوفي على مختصر الروضة، وبعدها يعتمد الطالب مختصر التحرير - الذي بين أيدينا - وشرحه وأصله.