هذا الكتاب القيم من تأليف العلامة أبي الفرج ابن الجوزي الفقيه المفسر المحدث، وقبل أن يشرع ابن الجوزي ببيان نواسخ القرآن عمليا قام بعقد سلسلة أبواب تمهيدية تشكل الإطار النظري والتقدمة التمهيدية لموضوع الناسخ والمنسوخ، فبدأ المؤلف بمقدمة رائعة يقرر فيها أن العلم عبارة عن التحقيق والتدقيق بالاجتهاد والاستنباط من الأدلة الصحيحة الثابتة وليس مجرد نقول نقلد بها السابقين تقليدا أعمى، ولا عزو الآراء إلى كل من قال وروى، ويهاجم بعد ذلك المؤلفين في علم النسخ الذين لم يعنوا في معالجة قضايا النسخ بالأدلة الصحيحة الثابتة. ثم عقد المؤلف فصلا آخر قبل أن يشرع في أبواب الكتاب يعيد فيه سبب تأليفه. ثم شرع في الأبواب النظرية للكتاب، وعددها ثمانية، أولها باب بيان جواز النسخ والفرق بينه وبين البداء؛ ثم الباب الثاني وموضوعه إثبات أن في القرآن منسوخا؛ باب في بيان حقيقة النسخ؛ ثم باب في بيان شروطه؛ ثم باب ذكر ما اختلف فيه هل هو شرط في النسخ أم لا؛ باب فضيلة علم الناسخ والمنسوخ والأمر بتعلمه؛ ثم باب أقسام المنسوخ؛ ثم باب ذكر السور التي تضمن الناسخ والمنسوخ أو أحدهما أو خلت عنهما. كما قام ابن الجوزي بتقسيم السور التي تضمنت آيات وقع فيها النسخ إلى أبواب، وعدد تلك الأبواب ٥٩ بابا، ابتدأها بالباب التاسع وأنهاها بالباب السابع والستين، أولها في سورة البقرة، وآخرها في سورة الكافرون. إضافة إلى الخاتمة. وأضاف المحقق عددا من الفهارس. أما منهج المؤلف في كتابه فقد سلك مسلكا جديدا لمعالجة قضايا النسخ. وهو وإن كان موافقا لأسلافه في عرض الآيات حسب ترتيب القرآن، إلا أنه يمتاز عنهم كثيرا في سوق الآراء وعزوها إليهم حيث لا يكتفي بذكر القيل والقال ولا بعزو الأقوال وإنما ينقل كل ما أثر عن السلف بسند متصل منه إليهم، حتى كاد يكون الكتاب موسوعة لكل كتاب صنف قبله في موضوعه. فيروي عن معظم المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعن شيوخ المذاهب الفقهية وأئمتها وعن كبار المحدثين والمفسرين بالمأثور. وبذلك فقد وصل الكتاب إلى درجة أنه يمكن الاستغناء به عن كثير مما صنف في موضوعه. ومن منهجه في العرض أن يعرض عن ذكر الآيات التي ادعي عليها النسخ بدون أي دليل عقلي أو نقلي، فذكر لذلك أمثلة من الآيات، لكن التزامه بعدم إيراد أمثال هذه الآية ليس على الإطلاق. أما قضايا النسخ في هذا الكتاب فهي وإن كانت كثيرة، فلم يصح عند ابن الجوزي منها إلا ما يعد بالأصابع وبقية الوقائع إما أن يردها بالحجج ويثبت الإحكام غالبا، وإما أن يقف موقف المحايد مكتفيا بما أورده من أقوال وأدلة تشهد لكل قول. وقام الشيخ محمد أشرف علي المليباري بتحقيقه، وكان تحقيقه موضوع رسالته للدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، قام فيه بتخريج الأحاديث، وترقيم الآيات حسب ترتيب المؤلف، كما قام بترتيب الأبواب الواردة، وخرج الآثار الواردة في الكتاب عن الصحابة والتابعين والمفسرين وغيرها، كما التزم المحقق في معظم الآيات تحديد رأي المؤلف عن النسخ بالمقارنة ببين كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ إذا وجد ذلك مع بيان موقف علماء النسخ والتفسير في القضية نسخا وحكما، وأيضا حرر عزو أقوال العلماء من المصادر الموثوقة.