نيل الأوطار
الشوكاني
نيل الأوطار
نبذة عن الكتاب

"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" هو أحد كتب أحاديث الأحكام الفقهية. وهو شرح لكتاب "منتقى الأخبار" للإمام أبي البركات مجد الدين ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية. وتعود أهمية الكتاب أولا إلى أصله وهو "منتقى الأخبار" الذي هو من أوسع كتب أحاديث الأحكام وأكثرها شمولا وفائدة حيث بلغت أحاديث الكتاب ٥٠٠٠ حديث. ولكن المجد ابن تيمية لم يبين درجة الحديث من الصحة والحسن والضعف، بل يرويه ويسكت عليه، حتى إنه يسوق حديث الترمذي ولا يذكر ما ذكره الترمذي فيه من بيان حاله من الغرابة أو الضعف أو الشذوذ أو النكارة أو نحو ذلك. ومن هنا كان هدف الشوكاني من تصنيفه هو تقصي الأدلة في مختلف المسائل بتخريجها، وكشف معانيها، واستنباط أحكام الفقه منها. ومن ثم فإنه يُعدّ من أجلّ مؤلفات الشوكاني وأشهرها، بل لعله أكثرها متانة، وهو ينبئ عن عظيم الجهد المبذول فيه، رغم أنه يعتبر باكورة نتاجه العلمي الكبير. وقد كان الباعث على تصنيف الشوكاني لكتابه إرشاد شيخيه العالمين الكبيرين عبد القادر بن أحمد والحسن المغربي، ثم إنه أتمه بعد موتهما أي في بداية توليه منصب القضاء الأكبر (١٢٠٩ه)، يقول الشوكاني في هذا الشأن: "فلما لم ينفعني الإكثار من هذه الأعذار، ولا خلصني من ذلك المطلب ما قدمته من الموانع الكبار، صممتُ على الشروع في هذا المقصد المحمود. وطمعت أن يكون قد أتيح لي أني من خدم السنة المطهرة معدود". وقد توفر للشوكاني عوامل التفرغ الكامل قبل الانشغال بالقضاء الذي شكا منه كثيرا، واستقامت له غزارة المعارف التي نهل من معينها، وارتباطه بكل المصادر والمراجع. وقد اشتمل نيل الأوطار في أسلوبه على مزايا؛ منها ابتعاده عن التعصب المذهبي، وفي ذلك يقول: "فدونك من لم تذهب ببصر بصيرته أقوال الرجال، ولا تدنست فطرة عرفانه بالقيل والقال، شرحا يشرح الصدور، ويمشي على سنن الدليل، وإن خالف الجمهور". ومن معالم أسلوبه أنه تعرض لتخريج الحديث وبيان طرقه وألفاظه وما قيل في حكمه. ومنها كشفه عن معاني الألفاظ وأقوال علماء اللغة فيها مع إيضاح المعنى الاصطلاحي الشرعي. ومنها استنباط الأحكام الفقهية من الأحاديث وكيفية دلالتها عليها وأقوال مذاهب علماء الأمصار وحجة كل مذهب مع الترجيح. ومنها استنباط القواعد الأصولية وتطبيق الأحكام الجزئية الفرعية عليها مع ذكر أقوال الأصوليين. يقول المصنف عن أسلوب تصنيفه لكتابه: "وقد سلكت في هذا الشرح لطول المشروح مسلك الاختصار. وجردته عن كثير من التعريفات والمباحثات التي تفضي إلى الإكثار، لا سيما في المقامات التي يقل فيها الاختلاف، ويكثر بين أئمة المسلمين في مثلها الائتلاف. وأما في مواطن الجدال والخصام فقد أخذت فيها بنصيب من إطالة ذيول الكلام". ثم هو يزيد الأمر وضوحا من حيث منهج تحقيقه الحديثي وذكر تراجم الرواة فيقول: "وقد اقتصرت فيما عدا هذه المقامات الموصفات على بيان حال الحديث وتفسير غريبه، وفيه يستفاد منه بكل الدلالات، وضممت إلى ذلك في غالب الحالات الإشارة إلى بقية الأحاديث الواردة في الباب مما لم يذكر في الكتاب لعلمي بأن هذا من أعظم الفوائد التي يرغب في مثلها أرباب الألباب من الطلاب. ولم أطول ذيل هذا الشرح بذكر تراجم رواة الأخبار؛ لأن ذلك مع كونه علما آخر يمكن الوقوف عليه في مختصر من كتب الفن من المختصرات الصغار. وقد أشير في النادر إلى ضبط اسم راو أو بيان حاله على طريق التنبيه. لا سيما في المواطن التي هي مظنة تحريف أو تصحيف لا ينجو منه غير النبيه. وجعلت ما كان للمصنف من الكلام على فقه الأحاديث وما يستطرده من الأدلة في غضونه من جملة الشرح في الغالب، ونسبت ذلك إليه، وتعقبت ما ينبغي تعقبه عليه، وتكلمت على ما لا يحسن السكوت عليه مما لا يستغني عنه الطالب، كل ذلك لمحبة رعاية الاختصار وكراهة الإملال بالتطويل والإكثار، وتقاعد الرغبات وقصور الهمم عن المطولات". وقد حدد الشوكاني مصادره التي اعتمد عليها؛ فكان منها كتب الحديث كالصحاح والمسانيد والسنن، وكتب الفقه كسبل السلام للصنعاني والمحلى لابن حزم، وغيرها من كتب اللغة والتاريخ وكتب الجرح والتعديل. ويمتاز الكتاب بالتحرر من التعصب المذهبي في اجتهاده، وكذا النظرة الضيقة البعيدة عن مقاصد الشريعة، وهذا ما جعله مقبولا بل معتمدا في مختلف الأوساط العلمية. يقول الشوكاني عن بعده عن التعصب المذهبي في كتابه: "ولكني قد نصرت ما أظنه الحق بمقدار ما بلغت إليه الملكة. ورضت النفس حتى صفت عن قذر التعصب الذي هو بلا ريب الهلكة". ومما يؤخذ على الكتاب أنه يعزو الحديث أحيانا إلى من لم يخرِّجه من أئمة الحديث. ثم إنه يحكم على بعض رجال السند بالتوثيق أو التضعيف وهو على خلاف ذلك عند أئمة الجرح والتعديل. ويقع أحيانا الخطأ في اسم الراوي.