دراسة مقارنة عقدها المصنف بين تناول الفقه الإسلامي لنظرية الضمان، وبين تناول القانون المدني والجنائي لها، رغبة في تذليل الصعاب أمام المحاولات التي يبذلها القانونيون للاستفادة من معين الفقه الإسلامي، موضحا سبق التراث الإسلامي الزاخر لبحث آخر ما أنتجه الفكر الحديث في مجال القانون، واختلاف الفقهاء يشي بأصالة هذا التراث وأنه لا يتعارض وما يمكن أن يحدث من خلاف في المستقبل تبعا لتطورات الواقع والحياة إذا كان محكوما بقواعد الشرع ومقاصد الإسلام. وقد تضمن الكتاب مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. اشتملت المقدمة على الغرض من التأليف ومنهج البحث. وفي الباب الأول تناول نظرية الضمان في الإسلام حيث تناول المبادئ العامة في نظرية الضمان ومعناه، مستدلا على ذلك بالنصوص الشرعية وكلام العلماء موضحا اختلاف اصطلاح علماء المذاهب عدا الحنفية في معنى الضمان، وقصر الكلام على الضمان بمعنى التزام التعويض، وتناول كذلك أركان الضمان وهما بشكل أساس التعدي وإلحاق الضرر وذكر أمثلة كثيرة اختلف فيها العلماء في مدى تحقق هذين الركنين وترتب الضمان عليها من عدمه وما يستثنى من قاعدة التضمين. وتناول كذلك شرائط الضمان وأسباب التضمين وأنواعه ثم ما يتعلق بالتعويض وتقديره ومتى يمكن اسقاطه. وتكلم أيضا عن عقود الضمان والفرق بين يد الأمانة ويد الضمان وختم هذا الباب بعشرين قاعدة فقهية متعلقة بالضمان. وفي الباب الثاني تناول الضمان في نطاق المسئولية المدنية في القانون، وأوضح أن هذه المسئولية إما تعاقدية أو تقصيرية، وذكر أمثلة على العقود ومواطن الاتفاق والاختلاف بين تراث الفقهاء وبين القانون واقتصر على القانونين المصري والسوري. وبعد ذلك تحدث عن المسئولية التقصيرية كالغصب والإتلاف سواء كان الإتلاف من الشخص نفسه أو ممن يتبعه من ولد ووصي ونحوه أو مما يملكه من حيوان وبناء وآلة. ثم تناول عوارض المسئولية من صغر وجنون وإكراه ونحوه واختلاف تأثيرها في كل من المسئولية التعاقدية والتقصيرية. وفي ختام هذا الباب تناول طرق إثبات المسئولية من إقرار وشهادة ويمين ونحو ذلك. وفي الباب الثالث والأخير تناول الضمان في المسئولية الجنائية فابتدأه بمقدمات هي كالقواعد في هذا الموضوع ثم شرع في بيان أمثلة ثلاث: ضمان النفس وما يتعها من عقوبات بدلية وتبعية ثم ضمان ما دون النفس ثم ضمان الجناية على الأموال. ثم اختتم الكتاب بخاتمة فيها خلاصة مركزة لأهم نتائج الكتاب. وقد أوضح المصنف البون الشاسع بين شريعة الإسلام في مراعاة الواقعية والمادية في آن واحد في الضمان، فالمعتبر هو التعدي أو التسبب بالضرر بلا نظر إلى القصد أو التكليف، إلا في المسئولية الجنائية، فإن القصد إذا تخلف فيها فالضمان المالي لا القصاص حفظا للأنفس، وكذا لا مغالاة في الحكم بالتعويض وإنما المقاصة. وعلى الرغم من أن مراعاة الإسلام للأموال والأنفس مطردا دوما إلا أنه قد يسقط للضرورة كما في حالة الحرب وتأديب البغاة، حفظا للدين. ثم هو يأخذ بالاحتياط في إثبات الحدود فيدرأها بالشبهات، ويدعو للصفح والعفو عن الجناة، وعلى المستوى العملي التطبيقي عاشت الأمة واقعا نموذجيا على درجة عالية من السلام والوئام أفضل بكثير مما هي عليه في العصور المتأخرة؛ كون المسئولية في الإسلام لها اعتبار أخروي إضافة للاعتبار النظامي الدنيوي؛ الأمر الذي يدفع الإنسان لإصلاح الخطأ وإن لم تنله طائلة الحساب الدنيوي، مراقبة لله ورغبة في عدم الخسران في الآخرة. ويمتاز الكتاب بحسن العرض والترتيب والتقسيم، حيث يقسم الموضوع إلى عناصر واضحة ومميزة بخط سميك، وكذا يستخدم التعداد الرقمي في تعداد الأمثلة وغيرها مما يسهل متابعة الموضوع وفهم أطرافه. وقد اهتم بالعزو في جميع نقولاته وكذا في اقتباساته من الآي والحديث النبوي، وقد يذكر حكم بعض الأئمة على الحديث مجملا إن اقتضى السياق. وهو يعقد كثيرا المقارنات بين ما سطره علماؤنا الأجلاء وبين ما انتهت إليه قرائح واضعي القوانين؛ الأمر الذي أوضح بجلاء عظمة هذا الدين الرباني وأنه يراعي الإنسان من حيث كونه بشرا يهديه خالقه إلى ما فيه صلاح الدارين وما هو في حدود استطاعته ويحفظه بالستر الجميل عله يرجع ويتوب، وإن لم يفعل فلا يزال مدعوا للتوبة خوفا من عقاب الله ورغبة في جنته، وهو ما لا يستطيعه أي سلطان بشري.