يعد الحنفية وغيرهم أصول أبي الحسن الكرخي من المدونات الأولى للحنفية في علم الأصول، وهو المجتهد البارع، البغدادي، الحنفي، الفقيه، الإمام الزاهد، مفتي العراق، وشيخ الحنفية. ولكنه كان من رؤوس المعتزلة. والكتاب يشرح فيه الأصول التي عليها مدار كتب "أصحابنا"، ويتضمن ذلك 39 أصلا شديدة الإيجاز، ثم جاء الإمام الإمام نجم الدين أبو حفص النسفي فذكر أمثلتها ونظائرها وشواهدها، فنجد الأصل قرره الكرخي ثم يتلوه قول النسفي: "من مسائله..". والكتاب بتعليقات النسفي مطبوع مع كتاب "تأسيس النظر" للدبوسي.ويلاحظ أن كتاب الكرخي وضع كتفسير للأصول والقواعد التي بنى عليها الحنفية مذهبهم، ومن ثم فهو ليس كتابا يبحث في قواعد الاستنباط بحثا مجردا لاستخلاص نظرية أصولية عامة مؤسسة على الدليل والبرهان، بل هو كما يقول صاحبه: (كتاب في الأصول التي عليها مدار كتب أصحابنا). والكتاب في جملته كتاب في القواعد الفقهية وقليل من أصول الفقه، فمن الأصول التسعة والثلاثين سبعة فقط يصح نسبتها إلى علم الأصول، مثل "يفرق بين العلم إذا ثبت ظاهرا وبين العلم إذا ثبت يقينا". ذلك أن الطبيعة التفسيرية لأصول الكرخي أدت إلى امتزاج القواعد الأصولية بالقواعد الفقهية، مما سيكون له أثر كبير على أصول الحنفية وعلى موضوع علم الأصول ومسائله لديهم.وتتميز آراء الكرخي الأصولية بالدقة في البيان وحسن التخريج لها على الفروع وقوة الحجة والاستدلال لها، وتعرف كثير من آرائه في أصول الجصاص الذي تتلمذ عليه وتأثر به.إن آراء الكرخي الأصولية ركن من أركان أصول المعتزلة كذلك، لذا كانت آراؤه موضع قبول واعتماد عند الطرفين فتشابهت أصول المعتزلة وأصول العراقيين كثيرا.وقد استنكر عليه المتأخرون - كالشيخ محمد الخضري - عبارته: (الأصل: أن كل خبر يجيء بخلاف قول أصحابنا فإنه يحمل على النسخ أو على أنه معارض بمثله ثم يصار إلى دليل آخر أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يحمل على التوفيق، وإنما يفعل ذلك على حسب قيام الدليل، فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه وإن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه). لكن رد ذلك د. هيثم خزنة في بحثه "تطور الفكر الأصولي الحنفي" بأن المتقدمين لم ينكروا عليه هذه العبارة وأن مقصود الشيخ خلاف ما فهموا لأنه يتحدث هنا عن التعارض والترجيح بين الأدلة.