في هذا الكتاب يقدم لنا المفكر الإسلامي الكبير إجابات هامة عن أسئلة من قبيل: كيف يرى المسلم أحوال العالم المعاصر؟ وهل له رُؤْية خاصة به؟ أم إنه يتناول الأمور كما تُقدَّم له من خلال وسائل الإعلام العالمية؟ وما موقفه منها؟ أهو موقف المشارك، أم موقف المتفرج؟ وإذا شارك فمن أيّ منطلق؟ وإذا تفرّج فبعين من يتفرج؟ فالعالم اليوم متشابك، ولكن الناس - حتى في القرية الصغيرة - ليسوا مشربا واحدا، ولا موقفا واحدا، ولا لهم رؤية واحدة تجاه جميع الأمور: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، والكتل المتصارعة - في العالم الواسع أو في القرية الصغيرة - لكل منها موقفها الخاص، ورؤيتها الخاصة لما يجري في الأرض من أحداث. والمسلمون - كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمة من دون الناس". لكنهم اليوم أشياع متفرقون، وأتباع إما لهذه القوة أو تلك، ينظرون بالمنظار الذي يقدمه لهم سادتهم، ويرون الأمور من خلاله - أي كما يراد لهم أن يروها - ويشتجرون فيما بينهم، لا بسبب الرؤية الخاصة لكل منهم، ولكن بسبب اختلاف الرؤية من خلال المنظار الذي يقدم لكل منهم! والكاتب يقدم تلك الرؤية الإسلامية الصافية من خلال مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. إذ يشير في المقدمة إلى أن الكتاب لا يعد تكرارا لكتاباته السابقة التي تناولت باستفاضة العالم الإسلامي وقضاياه، بل هو محاولة لتجميع الخيوط لرسم صورة متكاملة للواقع الذي يعيشه العالم اليوم، وموقع المسلمين منه، وكذلك محاولة رسم صورة لما يتوقع أن تؤول إليه الأمور في المستقبل. وهو أمر يستحق أن يفرد بالبحث، وأن توجه إليه الأنظار، حتى وإن كانت مفرداته متناثرة في عشرات الكتب من قبل. فليس المهم هنا هو "المعلومات" بقدر ما هو "الدلالة" المستخرجة من المعلومات، والتي يرجى من دراستها اكتساب البصيرة اللازمة في حركة الدعوة. وهو يشير في المقدمة إلى ثلاثة خطوط عريضة رئيسة تدور عليها فصول الكتاب الثلاثة: الأول هو تمكن أوربا في الأرض وسيطرتها على العالم، سواء غرب أوربا بامتداده الذي يشمل أمريكا، أم شرق أوربا الذي يشمل روسيا وملحقاتها، وهو ما يتناوله فصل الجاهلية المعاصرة؛ والثاني هو السيطرة العالمية لليهود، وهو عنوان الفصل الثاني، هذه السيطرة التي تمتد فتشمل معظم دول الأرض - الغربية والشرقية - وتوجهها لتحقيق مصالح اليهود وأهدافهم ومخططاتهم؛ والثالث هو الضعف المزري الذي يعيشه المسلمون في الأرض، وسيطرة الأعداء على بلادهم، سواء كانت سيطرة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو فكرية، أو مزيجا من ذلك كله، وهوان المسلمين على أنفسهم وعلى الناس، وضياعهم وتشتتهم وقلة حيلتهم في المعركة الضارية التي يعيشها الناس اليوم في الأرض، وهو موضوع الفصل الثالث والأهم في الكتاب وهو أمة التوحيد بين الماضي والحاضر. إن الدراسة في هذا الكتاب الموجز معنية أساسا بدراسة الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع من خلال السنن الربانية التي بينها الله في كتابه المنزل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لاستخلاص حقيقة أولية مهمة هي كون هذا الواقع - بكل حذافيره - هو التحقيق الدقيق لتلك السنن الربانية، ولوعد الله ووعيده؛ ثم استخلاص العبرة من ذلك، وهي وجوب الرجوع إلى تلك السنن إذا رغبنا في تغيير واقعنا السيئ الذي نعيشه اليوم إلى واقع أفضل. فالتغيير كذلك له سننه الربانية التي يجري بمقتضاها، والتي لا بد من التعرف عليها إن أردنا الاستفادة منها.كما تهدف هذه الدراسة كذلك - إلى جانب محاولة رؤية الواقع المعاصر على ضوء السنن الربانية - إلى إلقاء نظرة على المستقبل، وما يتوقع من أحواله، انطلاقا من الأحوال الحاضرة وترتيبا عليها.ويتميز الكتاب بصفاء الرؤية وعمق التحليل والشمول في التناول إلى أسلوبه الأدبي الذي يميزه، واعتنائه بذكر المراجع، وغير ذلك مما يميز كتابات الأستاذ.