هذا الكتاب القيم هو شرح لمتن "العقيدة الواسطية" للشيخ الدكتور محمد خليل هراس، الإمام الكبير العلامة السلفي المحقق الموصوف بالشدة في الحق وقوة الحجة والبيان. والمتن هو رسالة نفيسة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ألفها الإمام ابن تيمية استجابة لطلب وإلحاح من أحد قضاة بلدة واسط في العراق وهو رضي الدين الواسطي؛ أن يؤلف له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، بعد أن شكى له ما عم من جهل ودروس للعلم، وأسماها ابن تيمية "العقيدة الواسطية: اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة"، حيث ضمنها اعتقاد السلف الصالح جميعهم، وبعد سبع سنين من كتابتها وانتشارها في الآفاق، تحدى خصومه - الذين وشوا به إلى السلطان في مصر وزعموا أنه يدعوا الناس إلى غير عقيدة السلف - وأمهلهم ثلاث سنين أن يأتوا بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة الفاضلة يخالف ما في هذه العقيدة المباركة. ولما لهذه العقيدة من أهمية بالغة فقد تناولها جمع من العلماء المعاصرين بالشرح والتعليق بين موسع ومختصر، ومن بينها هذا الشرح الذي بين أيدينا.وقد ابتدأها ابن تيمية بالحديث عن أركان الإيمان الستة، مبتدئا بالحديث عن صفات الله وما ينبغي على المؤمن أن يعتقده تجاهها، وسرد جما غفيرا من الأدلة المتتالية من القرآن والسنة ربت على المائة. ثم أوضح مذهب أهل السنة في تناولهم لهذا الموضوع خلافا للفرق الضالة المبتدعة. ثم تناول كون القرآن هو كلام الله غير مخلوق وأنه من الإيمان بالله وكتبه، ثم الإيمان برؤية الله يوم القيامة.وبعد ذلك تناول الإيمان باليوم الآخر وأورد من الأدلة ما يكون بعد الموت حتى أهوال القيامة ودخول الجنة والنار وما يكون من شفاعة النبي ﷺ يومئذ. وأعقب ذلك بالركن السادس وهو الإيمان بالقدر، وذكر درجتيه ("العلم والكتابة" و"المشيئة والقدرة").ثم انتقل للحديث عن أهم أصول أهل السنة والجماعة، والتي تميزهم عن فرق الضلالة، مثل حقيقة الإيمان وقولهم في مرتكبي الكبائر، وكذا اعتقادهم في الصحب الكرام وأهل بدر والعشرة المبشرين بالجنة والخلفاء وآل البيت، ثم عقب ذلك بالحديث عن كرامات الأولياء.وختم هذه العقيدة المباركة بذكر جملة من صفات أهل السنة والجماعة ومنهجهم، وذكر أن طريقتهم هي دين الإسلام وأن أهلها هم الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة. ويتميز منهج ابن تيمية في هذه الرسالة - كما هو شأنه دائما – بكثرة الاستدلال من الكتاب والسنة، وتحري الدقة البالغة في اختيار الألفاظ بما يتوافق معهما، إضافة إلى أسلوبه المحكم المختصر الذي يسهل على الكل فهمه وحفظه، فموضوعات العقيدة لازمة لكل مسلم، مع التنبيه المختصر على المخالفين لأهل السنة، ليجلي أهمية ما ذكره من اعتقاد في مسألة معينة، وليتبين المسلم ما امتاز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق. ويعد شرح الشيخ هراس من أنسب الشروح لهذا المتن، كما أشاد الشيخ عبد الرزاق عفيفي بكونه من أفضل الشروح وأوضحها وأخصرها؛ فقد تعرض في شرحه للموضوعات العقدية تبعا للمتن. وقد تناول في شرحه أركان الإيمان؛ وآيات الصفات وأحاديثها؛ وفتنة القبر؛ والقيامة؛ والشفاعة؛ والقضاء والقدر؛ والإيمان والإسلام؛ والصحابة والخلافة؛ كما قدَّم بيانا لأبرز المخالفين لعقيدة السلف في هذه القضايا مع الرد الموجز عليهم. وتكمن أهمية شرح الشيخ بأنه واضح ومختصر، وقد شرح الشيخ رحمه الله المتن كلمة كلمة واستشهد بالقرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأقوال الصحابة والمفسرين والسلف. كما تحدث عن مقالات الفرق المختلفة ورد على شبهها، كالجهميّة، والقدريّة، والجبريّة، والمعتزلة، والأشاعرة..، وبيَّن ضلال أئمتهم في القديم؛ كغيلان الدمشقي، وبشر المَريسي، وغيرهما، ثم مَن بعدهما؛ كالرازي، والغزالي، ثم رافع راية التجهُّم في عصرنا زاهد الكوثري، كل ذلك في هذا الشرح الصغير، السهل الميسر.