هذا الكتاب هو شرح لـ"مختصر الروضة"، وهو في الأصل سلسة دروس للمصنف بالطائف على مدى ثلاث سنوات، جمعه وأخرجه بعض طلابه. والمتن هو مختصر كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر" لشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي، وهو كتاب في أصول الفقه على مذهب الحنابلة، استقاه من "المستصفى" للغزالي واشتهر في ذاك العصر، فاختصره الطوفي الأصولي الحنبلي البارع وسماه "البلبل في أصول مذهب أحمد بن حنبل". والكتاب رتبه على مقدمة تضمنت أربعة فصول: في تعريف أصول الفقه، وفي التكليف، وفي أحكام التكليف، وفي اللغات؛ ثم الكلام على أصول الفقه أصلا أصلا، فالمتفق عليها أربعة وهي الكتاب، والسنة، والإجماع، واستصحاب الحال؛ والمختلف فيها أربعة وهي شرع من قبلنا، وقول الصحاب، والاستحسان، والاستصلاح؛ ثم الكلام على مسائل القياس، كتعريفه وأقسامه والعلة ومسالكها والسؤالات والواردة على ذلك؛ ثم الكلام على مسائل الاجتهاد، كتعريفه وأنواع المجتهدين ومسالك الترجيح والتقليد وأحكامه. ويمتاز المختصر - كما وصفه الطوفي نفسه - بقصر الحجم، فهو "كثير المعنى قليل اللفظ"، وهو الإيجاز المستحسن، كما تضمن ما في "روضة الناظر" من مسائل وقضايا وأدلة، في إيجاز غير مخل، ثم إنه اشتمل على فوائد قيمة زائدة على ما في "الروضة" في جوانب متعددة، سواء في المتن وهي القضايا والمسائل المستدل عليها، أو في الاستدلال بذكر أدلة من النصوص لم يتعرض لها صاحب الروضة، وفي نقل الخلاف وتحقيقه بتصويب عزو الآراء إلى أصحابها، وفي تعليل المسائل بذكر عللها وأدلتها من غير النصوص. ولعل هذا سر تسميته بالبلبل، فإنه يكمل الروضة الغناء بتغريده وصوته الجميل. ويتميز المختصر أيضا بسهولة العبارة ووضوح المعنى بعيدا عن الغموض والإبهام، وهذا أمر عزيز في المتون التي يصل الإيجاز فيها إلى الإلغاز. وقد تابع في ترتيب المسائل ترتيبها في الروضة غالبا، كما أنه أسقط المقدمة المنطقية.وبالرغم من مخالفة الطوفي لكثير من آراء ابن قدامة في الروضة، إلا أنه لم يضمن المختصر آراءه المخالفة، مثلما فعل في شرحه، وذلك لقصر الوقت الذي ألف فيه المختصر (نحو عشرة أيام)، ولئلا يخرج عن مقصود المختصر. يقول ابن بدران: "إنه مشتمل على الدلائل مع التحقيق والترتيب والتهذيب، ينخرط مع مختصر ابن الحاجب في سلك واحد". والكتاب جاء على وفق مذهب الحنابلة، ولا أثر فيه لشيء مما اتهم به الطوفي من التشيع أو القول بتقديم المصلحة.ويأتي شرح الدكتور الشثري - أستاذ الشريعة بالجامعات السعودية وعضو هيئة كبار العلماء - في ظل قلة الشروح المعاصرة للمختصر، تجده سهلا مقربا لعلم أصول الفقه، وهو مليء بالفروع الفقهية والتخريجات الفقهية على المسائل الأصولية، مما يمكن طالب علم الأصول من الدربة على تخريج المسائل الفقهية، وبنائها على الأصول، وقد اعتنى المؤلف بالمسائل العقدية وتحريرها ورد المسائل الأصولية إلى جذورها العقدية، وبيان مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك. والباعث على هذا الشرح ما للمتن من مكانة بين كتب المذهب في الأصول، ثم ما وقع من الطوفي في بعض المواطن من مخالفة لمعتقد أهل السنة أو مخالفة للمذهب نفسه.