هذا الكتاب ألفه المؤرخان عبد الفتاح حسن أبو علية - أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وإسماعيل أحمد ياغي - أستاذ التاريخ الحديث المشارك بوكالة الكليات بالرئاسة العامة لتعليم البنات بالرياض. وقد بين المؤلفان أن أوربا لعبت دورا كبيرا وخطيرا في تاريخ العالم وبخاصة في العصر الحديث، ففيها ظهرت حركة الكشوف الجغرافية التي جلبت إلى العالم ويلات الاستعمار، وفيها قامت الثورة الفرنسية التي امتدت آثارها إلى أبعد من أوربا. وفيها قامت الثورة الصناعية (الانقلاب الميكانيكي) التي كان لها أشد الأثر في قيام الصراع الدولي وبالتالي اندلاع الحربين العالميتين، وكل هذا حدث في أوربا ولهذا يعتبر تاريخ أوربا الحديث والمعاصر محورا من المحاور الرئيسة في دراسة تاريخ العالم في العصر الحديث. وقد تناول الكتاب تاريخ أوربا في الفترة من القرن الثاني عشر الى القرن العشرين، وقسم الكتاب إلى قسمين، تناول أبو علية موضوعات القسم الأول وتشمل: النهضة الاوروبية، الكشوف الجغرافية، الإصلاحات الدينية الكبرى ونتائجها في أوروبا، إنجلترا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فرنسا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بروسيا، روسيا، حرب الاستقلال الأمريكية. وتناول القسم الثاني: الثورة الفرنسية، فرنسا في أعقاب سقوط نابليون، الوحدة الايطالية، الاتحاد الألماني، تصاعد الأزمات الأوروبية، الحرب العالمية الاولى، تطور أوروبا بين الحربين العالميتين، الحرب العالمية الثانية.والكتاب يعد موجزا جيدا لتاريخ أوربا الحديث والمعاصر، يسرد الوقائع والأحداث في أسلوب شيق ويتبعها بالتحليل والنتائج، كما يظهر فيه الاعتزاز بالهوية الإسلامية لا سيما في القسم الأول منه، حيث يبرز بوضوح دور الحضارة الإسلامية في نهضة أوربا، وفي ذلك يقرر: (لقد بقيت أوربا الغربية على هذا الوضع من الجهل والفوضى إلى أن وصل شعاع العلوم الإسلامية إلى أوربا، وما جاء منتصف القرن الثالث عشر الميلادي حتى ظهر في أوربا علماء تخلصوا من الاعتماد الكلي على دراسات أرسطوطاليس، بعد أن درسوا علوم المسلمين وتشبعوا بطريقتهم العلمية، وبالتدريج شاعت عندهم طريقة البحث العلمي الجديدة، وبهذا بدأت طريقة علماء العصر الوسيط في التدهور لتحل محلها النهضة الأوربية الحديثة). كما أنه يحلل الأحداث وفقا لمنظور المؤرخ المسلم فيسمي الأشياء بأسمائها، ومن ذلك أنه يذكر من أهم الأسباب للكشوف الجغرافية الأوربية رغبة أوربا في نشر النصرانية، وهو يأتي في المحل الأول لدى أسبانيا والبرتغال وما كان لديهما من "روح صليبية حادة"، ويذكر المثال الأبرز وهو رحلة "فاسكودي جاما" بمساعدة المرشد العربي الملاح الخبير "أحمد بن ماجد"، والتي كانت فاتحة عهد استعماري برتغالي لبلاد المسلمين ومنافسة تجارية قوية أسفرت عن كساد للتجارة العربية الإسلامية. على أنه يلاحظ على القسم الثاني من الكتاب الجفاف في عرض الوقائع وتحليلها ولا تكاد تميز حديثه مثلا عن الثورة الفرنسية عن أي مؤرخ أوربي، فهو يقول مثلا: (الفكر التقدمي غالبا ما يكون سابقا على نشوب الحركات التقدمية نفسها، ولقد انطلق الفكر التقدمي في فرنسا قويا خلال القرن الثامن عشر لا في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي ورفع شأن الفرد، وإنما كذلك من حيث دفع العالم الأوربي إلى أفكار عالمية من أجل خير البشرية جمعاء. وإذا كانت أفكار وروائع مؤلفات فولتير ومونتسيكو وروسو هيأت أذهان الفرنسيين لإعادة النظر في حياتهم العامة... إلا أن هذه المؤلفات الراقية الفكر (!) العميقة التحليل لا يدرك حقيقة قيمتها إلا فئات محدودة من المثقفين الفرنسيين...). وأخيرا فإنه لا يكاد يذكر المسألة الشرقية والمؤامرة الاستعمارية على الخلافة العثمانية ولا موقف السلطان عبد الحميد ونحوها من الحوادث والوقفات الهامة إذا كان حديثنا عن تاريخ أوربا الحديث والمعاصر. والكتاب يعتمد على قائمة كبيرة من المصادر والمراجع العربية والأجنبية، تذكر آخر كل فصل في القسم الأول، وتذكر آخر القسم الثاني مجمعة.