هذا الكتاب للأستاذ الدكتور سعيد عاشور أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعتي القاهرة وبيروت العربية، يتناول هذه الحقبة المثيرة للجدل عند المؤرخين. وهو يبتدئ دراسة هذا التاريخ باستعراض أحوال الإمبراطورية الرومانية في أوج قوتها؛ إذ العصور الوسطى هي التسمية التي تطلق على الفترة الزمنية في التاريخ الأوروبي التي امتدت من القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر الميلادي، فهي تبدأ بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية وتستمر حتى عصر النهضة والاستكشاف. ويستعرض كاتبنا هذه الحقبة في 12 بابا؛ الإمبراطورية الرومانية، الإمبراطورية والمسيحية، البرابرة وسقوط الإمبراطورية في الغرب، الإسلام، إيطاليا بين ثلاث قوى، ظهور الديرية، شارلمان وإمبراطورية الفرنجة، الفيكنج، أسرة كابيه في فرنسا، ألمانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة، إيطاليا والبابوية، الإمبراطورية والبابوية. والكاتب يسرد الوقائع التاريخية بأسلوب قصصي رائق وسط بين الإيجاز والإطناب، ويقوم من خلاله بالعزو للمراجع الأجنبية والعربية على حد سواء، ويتميز بالهدوء في العرض وعدم التعصب أو إضفاء الآراء الشخصية بصورة مذمومة. كما أن هويته العربية المسلمة تبرز حين يصل إلى عصر ظهور الإسلام وانتشاره، إذ يعرض لذلك بإنصاف من وجهة الدين الحق القويم، وهو يفند مزاعم بعض المؤرخين الغربيين - بشهادات وتحليلات آخرين من بني جلدتهم أمثال بيرين - من أن الباعث على فتوحات العرب كان اقتصاديا بحتا، لما أجدبت الجزيرة فساحوا في الأرض يبحثون عن المرعى والكلأ! فالتفسير الجلي لذلك - وهو الذي يفسر كيف تمكن المسلمون من غزو فارس والروم في فترة وجيزة، ثم لم يذوبوا كما حدث مع الجرمان في الأمم المفتوحة - هو أنهم كان دافعهم العقيدة ورايتهم لا إله إلا الله. ويفند زعمهم بأن الإسلام قد انتشر بحد السيف في بلاد ارتبطت جميعا بأصول المسيحية ونشأتها مثل الشام ومصر وشمال العراق؛ فالعرب لم يفرضوا دينهم على أهالي البلاد المفتوحة، وإنما فرضوا سيطرتهم السياسية لا غير، فالسيطرة السياسية هي التي انتشرت بقوة السلاح، أما الديانة الإسلامية نفسها فقد وجدت سبيلها إلى قلوب نسبة كبيرة من أهالي البلاد المفتوحة، بدليل ما أجمعت عليه الوثائق من تسامح العرب مع المسيحين واليهود سواء، وهو تسامح لم يحظوا به في ظل حكامهم السابقين. والأعجب من ذلك وهو مثار اهتمام المؤرخين قوة التأثير في الميدان الحضاري، إذ قامت الحضارة الإسلامية على العقيدة الإسلامية واللغة العربية. ولم تقترن الفتوحات الإسلامية بالهدم والتخريب الذي عرفت به غارات الهون والوندال والقوط على كثير من أقاليم أوروبا وأفريقيا. إن الكتاب يعطينا موجزا كاشفا لتاريخ أوروبا المتعاقب في العصور الوسطى، والصراعات التي دارت والقبائل التي ظهرت والملوك الذين حكموا على اختلاف مذاهبهم، وعلاقة كل ذلك بالديانة المسيحية قربا وبعدا، ثم بالمسلمين والصراع معهم، حتى وصلت أوروبا إلى الوضع الذي استقرت عليه في تاريخها الحديث.